لم تواجه المنطقة العربية خطرا في تاريخها الحديث كخطر التنظيمات الدينية الإرهابية، وبالذات الإخوان المسلمين، الذين منهم تولدت كل هذه الجماعات، والذين يقفون وراء كل مصائب المنطقة منذ عقود.
لقد أساء وجود معظم هذه الأحزاب الدينية الى حركة التطور البشري والاقتصادي والعمراني والتشريعي والأمني، وكان لها التأثير الأكبر، ليس على وقف عجلة التقدم، بل في إعادتها الى الوراء. ومن ينظر اليوم لصور الحياة قبل أربعين عاما ولشوارع المدن وللأوضاع الاجتماعية والإنسانية في دول المنطقة، لا يملك إلا الإصابة بالدهشة أولا، والفزع ثانيا، لما آلت إليه الأوضاع من سوء، وكل هذا الكم من التغير السلبي الذي طال كل شيء تقريبا.
فلو قارنا صورا فوتوغرافية للفترة ذاتها لأوضاع دول العالم الأخرى، لوجدنا من خلالها تغيرا بشريا وصناعيا واجتماعيا، مع تطور الحياة، وفي اتجاه واحد. وحدها الدول العربية الـ «شرق أوسطية» شذت عن القاعدة، فما طرأ عليها من تغير كان مختلفا عن بقية دول العالم، حيث اقتصر على القشور من سيارات ومبان وشوارع، أما الوجوه فقد اصبحت اكثر جدية وتجهما، والملابس أكثر طولا وغرابة، والعلاقات الأسرية أكثر حدة، بعد أن تدخل الخلاف الديني بين الأخ وأخيه والابن وابيه. كما نجد أن الجفوة المجتمعية قد تأصلت، والتفرقة الدينية ترسخت، وهكذا مع بقية الأمور الأخرى، وكل ذلك لأننا غلبنا أمور الدين حسب تفسيراتنا لها على متطلبات الدنيا، وفشلنا في الاثنتين.
ولو ذهبنا الى الهند أو سريلانكا أو تايوان أوكوريا أوروسيا أو الدول الأوروبية أو الآسيوية أو الأفريقية وغيرها، لوجدنا أن التغير فيها متفق مع قوانين الطبيعة، إلا نحن، فقد كانت لدينا جامعات جيدة، ولكنها تخلفت، كجامعات بيروت والقاهرة وتونس وسوريا والعراق، التي أصبحت مخرجاتها بائسة جدا. كما كانت لدينا جمعيات إنسانية ولكنها اختفت، بعد ان أمسك الغلاة والمتشددون بتلابيبها. كما كانت لدينا نهضة واعدة ومناهج متقدمة وكل ما يبشر بالخير، وجميعها اختفت بعد أن أغلقنا على المرأة الباب وحجبنا عنها النور والهواء، و«سترناها» من الأغراب، بضغط من أصحاب الأحزاب، وأفكار وآراء قادة القاعدة وداعش وغيرهم من الأذناب، الذين نجحوا في إقناع البعض في المنطقة بصوابية آرائهم، فأصبحنا خلال عقدين أو ثلاثة من الزمن على رأس قائمة الدول المدانة بقلة شفافيتها وبانعدام ديموقراطيتها، وبتوقف نموها وتطورها، وبابتعادها المستمر عن إنسانيتها.
ولو اعتقد البعض أن السبب في تخلف مصر مثلا، التي نشأ حزب الإخوان فيها، والتي تأثرت أكثر من غيرها فيهم، يعود الى قلة مواردها وزيادة سكانها، لكان الرد أن كل دول العالم زاد عدد سكانها، ومع هذا لم يتراجع فيها الوضع كمصر، فهذه الهند والصين يتزايد سكانهما بعشرات الملايين سنويا، إلا أن تقدمهما لم يتوقف يوما.
نكتب هنا لنرجو من يقبل الرجاء، ونحذر من لم ينتبه لخطر الإخوان ضرورة عدم التصويت لمعظم مرشحي الأحزاب الدينية، خاصة من الإخوان المسلمين. فقد سبق أن قاطع هؤلاء الانتخابات السابقة، وأقسموا ألا يعودوا اليها إن بقي الوضع على ما هو عليه، ولكنهم عادوا وحنثوا بقسمهم ونكصوا عن سابق مواقفهم، وكل ذلك ليس حبا في الخير، ولا رجاء في خدمة وطن، بل غالبا لتحقيق طموحاتهم ومصالحهم الشخصية وأغراضهم الدنيوية.