لو تجاوزنا وقبلنا على “مضض”، كما يقول عبدالرحمن العنجري، تراجع المقاطعين عن المقاطعة وتسابقهم على المشاركة في الانتخابات البرلمانية، على الرغم من القسم والوعود والمطالبة بالثبات، وعلى الرغم من شعارات الصلابة وشباب السجون والمخدوعين، إلا أنه ثبت لدى المتشقلبين كما وصفهم العزيز صالح الملا أن المشاركة أفضل من المقاطعة.
أكرر، نتجاوز على “مضض” الشقلبة والتراجع دون أدنى اعتذار على كل ما قاموا به من شتم وتخوين وسخرية على كل من شارك من قبلهم، على أمل أن يكون للناخب كلمة تجاه ما حدث، وإن كنت لا أعتقد ذلك لأن انتخاباتنا غير مرتبطة بمواقف سياسية بقدر ما هي انعكاس لعلاقات اجتماعية.
عموما لنعد شريط الذكريات قليلا، ولنتذكر الخطاب السياسي المعارض في السنوات الأخيرة لنستوعب المطالبات جيدا، فقد ارتكزت مطالبات من كانوا يسمون أنفسهم بالأغلبية على محور رئيس واحد وهو الحكومة المنتخبة دون تحديد الشكل المقترح لتلك الحكومة، ولكن ما يهم أن تكون الحكومة منتخبة، بل وصل الأمر ببعض أعضاء تلك الأغلبية أن يعلن أمام الملأ بأن الشيخ جابر المبارك هو آخر رئيس وزارة غير منتخب، ليس هذا الأمر فحسب بل كانت تلك الأغلبية تسارع لالتقاط الصور الجماعية مستخدمين سبابتهم اليمنى للإشارة إلى الاتجاه للحكومة المنتخبة، وما عليكم سوى كتابة اسم أي من أعضاء تلك الأغلبية، وكلمة “الحكومة المنتخبة” في محركات البحث الإلكترونية لتجدوا مئات النتائج التي تدور في فلك هذه المطالبة، كركيزة أساسية لشكل المطالبات طوال السنوات الأربع الماضية.
اليوم وبعد أن تراجعوا عن المقاطعة وعاد للساحة الانتخابية معظم أعضاء ما سمي بالأغلبية، وبعد متابعتي للعديد من تصاريح المشاركين الجدد وندواتهم ولقاءاتهم، فإني لم أجد أبدا أي مؤشر على مطالبتهم بالحكومة المنتخبة طوال أيام هذه الحملة الانتخابية!!
ما الذي تغير؟ لماذا اختفى شعار رفعوه طوال السنوات الأربع الماضية كأساس للعمل السياسي والإصلاح المنشود؟ هل كانوا مخطئين بتلك المطالبة؟ ولماذا لم يعلنوا تراجعهم عنها؟ وهل جاءتهم أوامر بأن يكفوا عن هذا المطلب ويركزوا على أهداف أخرى كتغيير رئيس مجلس الأمة مثلا؟ وهل بات الناخب الكويتي يقبل بهذا الاستغفال لهذه الدرجة بأن ينسى كل ما قيل ويكيف نفسه حسب أهواء المشاركين الجدد؟
كلها تساؤلات لا أجد إجابة عنها ولا أفهم كيف يمكن لأي شخص يقرر التصويت لهؤلاء بأن يتجاوز عنها دون تبرير واضح ومقنع عن هذا التراجع التام عن المطلب الرئيس، بل الأوحد في فترات سابقة.
خارج نطاق التغطية:
تشرفت في الأسبوع الماضي بالحوار مع مبدع كويتي اسمه سعود السنعوسي حول روايته الجميلة “فئران أمي حصة” ضمن فعاليات مؤتمر نقاط للإبداع، وأكثر ما استوقفني في ذلك الحوار وصفه لحالة المجتمع الكويتي اليوم، حيث لخص الحال “بأننا نعيش حربا أهلية دون سلاح”، وعلى الرغم من قسوة الوصف فإني أتفق معه تماما وما يحدث في الانتخابات اليوم دليل على ذلك.