بين إملاءات الوثيقة الشرعية ونداءات “تكفون” وهيمنة المال السياسي (شراء الأصوات) يرتسم شكل البرلمان القادم، ولا جديد في ديمقراطية “هذا سيفوه”، حسب سوابقها التاريخية، لكن “الشكل” الذي يطفو على سطح الخواء الثقافي قد يتغير إخراجه بين انتخابات وأخرى في مجتمعات الدولة القبلية، حسبما يراه أهل “البخاصة”.
مبدعو الوثيقة الشرعية طالبوا المرشحين من “أهل السنة والجماعة” بالتوقيع عليها، بما يعني الالتزام بمحرمات الوثيقة ونواهيها التي تنبع من عقل منغلق على ذاته يُقسّم العالم بين أبيض وأسود، ويكبل الثقافة والوعي بزمن مطلق لا يتحرك ولا يتقدم أبداً. الوثيقة تحشر أصحابها بين خيارين لا ثالث لهما، بين الحق والباطل، كما يراهما مبدعوها، فإما أن تكون معنا (نحن أهل الوثيقة)، وهذا يعني أنك المسلم الحقيقي، وإما أن تكون ضدنا حين ترفض التوقيع، وتصبح بالتالي مشكوكاً في إسلامك وهويتك، إن لم يتم تكفيرك ضمناً… فكيف لك أن ترفض “مسلمات الثوابت” العقائدية ولا تبصم عليها وأنت مغمض العينين؟! هكذا يتحرك العقل عندنا في مجالس دولة “ما بعد الحداثة” الكويتية، وهكذا يتفاعل مع التجديد والإبداع، فهذا الدستور الحقيقي المطلوب، وليس دستوركم المنسي سوى غث وزبد دنيوي.
نداءات “تكفون” الموجهة للناخبين، هي دعوات للتخندق خلف السور القبلي والعائلي والطائفي، هي نداءات لأهل النخوة والشهامة من الأهل القريبين لمساندة الفرد المرشح الذي يستجير بهم الآن في معركة الوجود الكبرى للوصول لصالة عبدالله السالم. وحين ينتصر المستنجد في حرب بسوس القرن الواحد والعشرين فلا بد عندها أن يرد الدين لهم بواسطة بسيطة وبحركة محسوبية بتقديم خدمة توزع جزءاً من غنائم الانتصار على جنود الأمس الذين فزعوا للمنتصر الآن. أليست الدولة، آخر الأمر، كما علمتنا وربتنا ثقافة السلطة من عقود طويلة إلا غنائم جاهزة للمنتصرين ولمن “سبق ولبق”، واليوم بعد أن تناقصت غلة النفط فهو أفضل زمن للسباق والوصول مبكراً.
المال السياسي (أي الرشا ودفتر الشيكات) الذي يمارسه المقتدرون من خيرات الوطن، هو الرسالة العامة المجردة الكبرى التي تتجاوز العائلة والقبيلة والطائفة، فالدينار يتحرك ليبعد مرشحاً ما من حلبة السباق، حتى تخلو الساحة للبطل الثري ليكون الفائز الأول في معركة الانتخابات، أو لكي يضمن الوصول لصالة أفراح عبدالله السالم عند مرشح آخر. هي بالطبع أضحت صالة أفراح، لا صالة تشريع ومراقبة، ففيها عند جماعة المقتدرين يتم زيادة قدراتهم المالية بزيادة نصيبهم من السلطة، والسلطة بدورها تعوضهم عن خسائر الأمس، وبالتالي تزيد جرعات السعادة والبهجة في صالة أفراح عبدالله السالم، وليس لأبنائنا المنكوبين بهذا التراث الاجتماعي – السياسي الفاسد غير اللطم في مجالس العزاء على غدهم الضائع.