نعيش مرحلة حرجة من مراحل بناء الوطن، فقد تُخلِّي عن مشروع بناء الوطن وتميز دولة الرفاه، لقد كنّا وطنا مملوءًا بالحيوية، تجده متجددا دوما يتصدر الآخرين بما له من إنجازات وعطاءات وقدرة في مساندة الآخرين، فقد كان يتطلع كل أبناء الخليج إلى الكويت بالتقدير والإعجاب، لِم لا؟ وهي كانت تتميز بأنها:
– منبر للكلمة وعاصمة لحرية الصحافة ودوحة للحريات على اختلافها، وكانت قبلة للنخب والمثقفين والعقول المتميزة في العالم العربي.
– رائدة بتجربة ديموقراطية مبهرة وراسخة منبعها وطني ومرجعيتها إسلامية، وجذورها تاريخ عريق من الأدوار المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، كل يعرف دوره ويفسح للآخر الانطلاق بمساحته، رائد الجميع مفاهيم وطنية أصيلة لا تعرف مصلحة تتقدم أو توازي مصلحة الوطن.
– معلم للعلم والثقافة تتفتق فيها عقول العلماء وتتميز منتجاتهم التي يفتخر بها البلد، وفيها حركة أدبية لافتة شعرا وأدبا ورواية ومعارض للكتب ومجلات رائدة، مثل «العربي»، و«عالم الفكر».
– سبّاقة للعمل الخيري والإنساني الذي تتردد أصداؤه في كل أصقاع العالم، فوجودها في كل مدن العالم متميز بسبب المشاريع الخيرية التي انتشرت في شتى بقاع العالم.
– أما الفنون والمسرح، فإنهما كانا علامة مميزة للكويت أبهرت الجميع، وتفوق كثير من منتجاته الفنية والمسرحية على من كان له باع طويل في مجاله، وعرف عن الكويت جديتها وتميز إنتاجها الفني والمسرحي.
– ورياضيا، كانت الكويت عاصمة للرياضة والألعاب المتميزة، وقد بدأت بتنظيم بطولات عربية وإقليمية، وكانت مكانا يتطلع الشباب إليه شغفا بتميزها الرياضي.
– وعمرانها مميز وشوارعها مبهرة وحركة العمران فيها لا يجاريها أحد بالمنطقة، وكانت فعلا عاصمة للعرب عمرانيا.
– أما الدولة، فكانت تمتاز بريادتها لمهام الدولة، فقد كانت أول من أسس الصناديق السيادية منذ 1950، نظامها السياسي متوازن في اقتسام السلطة والمشاركة السياسية بين أسرة حكم وشعب يعشق وطنه، وولاؤه لحكامه، شيدت الدولة بنظام للمؤسسات الحقيقية التي دفعت بالبلاد للأمام، فسبقت وقتها عقودا من الزمن، ووقف لها العالم بتقدير وإجلال وتراثها ذاك كان بعد فضل الله أحد أسباب تحريرها من الاحتلال العراقي الغاشم، وهو سر تماسكها وصلابتها أمام عاديات الزمان، مثل أزمة الصامتة، واحتلال العراق لها، وتجاوز الصعاب التي وقف العالم أمامها متعجبا أن يكون لهذه الدولة الصغيرة هذه المرجعيات الدستورية.
كل ذلك التميز، وتلك الريادة تتراجع، وكل ما أسسه الآباء وغرسه الأجداد يكاد يختفي، لا شك في أن العلة فينا، فلم يعد كثير من أهل الكويت كالسابق، الذين عرفهم البلد وشد من عزيمتهم، فقد تغيرت أحوال الناس وضعف الحس الوطني، وتقديم الوطن على النفس، وغالبا صار السباق محموما للاقتيات على الوطن.
– صار الفساد مسلكا واضحا، ولم يعد حلم الكويتيين بمشروع الوطن يملأ قلوبهم.
– صارت مقاعد البرلمان كما لو كانت بضاعة وغنيمة للبعض، يعرضها للبيع في أقرب سوق وبأي مزاد، ولا يتوانى أن يصل بكل الطرق غير المشروعة، رشى ومال سياسي وخدمات غير مشروعة وعزف على الوتر الطائفي والقبلي والفئوية.
– السلطتان التشريعية والتنفيذية لم تقدما مشروع حل لمشكلة واحدة من مشاكل البلد، رغم أن مشاكل البلد سهلة الحل.
ولن أنتهي من تعداد مظاهر التراجع والتدمير اللذين لحقا بالبلد، لكن آمل في أن تتصدى قلة من أبناء الوطن نختارهم ننتخبهم نتواصل معهم يتعاهدون معنا على أنهم سينقذون الوطن، سيفضحون الممارسات الفاسدة، وتكون أولويتهم الوطن لا تشغلهم أبدا مصالحهم الخاصة أو تأدية خدمات لناخبيهم، يلتقون من أجل الوطن، فهم ليسوا حزبا، إنما غيورون، ثاروا من أجل الوطن وقودهم حرقتهم وأهدافهم إزالة هموم الوطن، ويختارون قضية واحدة كل سنة ولا يتركونها حتى تنجز حبا للوطن ووفاء لأبنائه.. ذلك فقط ما يمكن أن يعيد البهجة للوطن، فهل أنت ممن يرغب في ذلك؟.. لنتواصل، فقد فات وقت التحلطم، ولنحقق التغيير.