تظهر دراسات مختلفة أن شباب الأمة العربية لا يحبذون الدراسة ولا يعشقون التحصيل العلمي والذهاب للمدارس والمعاهد إلا مرغمين، كما أن كثيرا من الموظفين لا يودون العمل، وحتى عندما يعملون يكون إنتاجهم بالحدود الدنيا، كما تظهر الأرقام أن قطاعات كبيرة من الرجال والنساء يلجأون اختياريا إلى التقاعد المبكر للتفرغ للسفر والاستمتاع بالحياة بشكل كامل قبل الرحيل النهائي، فهل هناك فهم جديد لمعنى الحياة اكتشفته شعوبنا وبدأت تتبعه شعوب العالم الأخرى يقوم على معطى «اعمل قليلا واستمتع كثيرا»؟!
****
هناك دراسات مماثلة في الغرب والعالم المتقدم تشير إلى توجه مماثل لدى الطلبة، حتى عند كبار أصحاب العقول الراجحة الذكية كالأطباء والمهندسين والمحامين ممن استبدلوا ما كان يحدث بالماضي من عمل متواصل حتى حلول الأجل بنهج وفهم جديد مرتكزه العمل الشديد والمتواصل في العشرينيات والثلاثينيات من العمر لجمع المال ليتم التقاعد في الأربعينيات للتفرغ للهوايات والسفر والالتحاق بعمل جديد قليل الجهد وقليل الدخل.
****
وكان الفيلسوف البريطاني راسل الذي حصل على جائزة نوبل وعاش سعيدا حتى قارب عمره المائة عام يروج لفلسفة «الخمول والكسل» وما لهما من فوائد بعكس الصورة السائدة آنذاك إبان التسابق الحاد بين المعسكرين الغربي والشرقي، والتي تفرض ضرورة العمل الجاد منذ الصباح حتى المساء، وكان كثير من كبار مبدعي مصر، وعلى رأسهم الحائز جائزة نوبل الاديب نجيب محفوظ، يسجلون صوريا في وظائف في الجرائد القومية أو هيئة الاستعلامات ليتفرغوا للدعة والراحة والكتابة عندما يحلو لهم، فأيهما أصح، الفهم القديم القائم على العمل أم الجديد القائم على الكسل؟! ومن سيطعم العالم إذا انصرف الجميع عن الإنتاج بحجة الرغبة في الاستمتاع بالحياة قبل الرحيل الأخير؟!
****
وتظهر سيرة بيل غيتس وغيره من الشباب الذين اخترعوا وسائل التواصل الاجتماعي أن الثراء الحقيقي المقدر بعشرات المليارات لا يأتي لمن يعمل «كماً» من الصباح الباكر الى آناء الليل، بل تأتي الثروة لمن يعمل «نوعاً» في الأوقات التي يراها مناسبة، لذا يبقى التساؤل: هل شعوب أمتنا العربية المجيدة وهي الأقل إنتاجا في العالم والأكثر سهرا وطربا هي شعوب عبقرية يقتدى بها كونها اكتشفت السر الأزلي للحياة؟!
****
آخر محطة: (1) هناك قصة تراثية عن فلاح كسول جالس تحت ظل شجرة لا يعمل شيئا، فالتقاه أستاذ جامعي حاول إقناعه بالعمل والإنتاج وتكوين الثروات، فسأله الفلاح: لو قمت خلال عشرات السنين القادمة تماما بما اقترحته، فماذا أفعل بعد ذلك؟ أجابه الأستاذ: حينها تجلس وتستريح. فأجابه الفلاح: هذا تماما ما أفعله الآن، فلماذا أعمل كل هذا الجهد للوصول للنتيجة نفسها؟!
(2) إذا ما تركنا الجانب النظري والهزلي والفلسفي فلن تنهض أمتنا العربية قط إلا إذا ترسخت لديها ثقافة حب العمل الجاد لساعات طويلة كل يوم، وهذا ما ينقصنا!