حدثوا العاقل بما يعقل، 15 ألف كرتون (180 ألف زجاجة خمر) قيمتها حسب السوق السوداء أو البيضاء 15 مليون دينار (لم يوضح أحد كيفية حساب ثمن المضبوطات التي تتغير حسب مواسم العطلات) ضبطتها وزارة الداخلية، والمتهمون في القضية مواطن عاطل عن العمل ووافد إيراني! كيف يمكن تصديق أن وافداً إيرانياً أدخل هذه الكمية الكبيرة، وما سلطاته ونفوذه ووساطاته التي مكنته من إدخال مثل تلك الكمية من الخمور وتخزينها في الصليبية، ثم يأتي مواطن عاطل ليقوم بعمليات البيع والترويج لحساب الوافد الإيراني، ويكبس عليه بعملية شراء مرتبة من مباحث الداخلية…؟ هل يفترض أن نصدق حكايات البطولات، ونسلم بها كما هي حسب الروايات الرسمية التي يرددها إعلام التملق لوزارة الداخلية، ثم نغلق أبواب قضية واحدة من مئات وآلاف القضايا بعد إحالتها للنيابة، حين يتم توجيه الاتهام لفراش البلدية؟ وهنا يقوم بالدور السينمائي المطلوب ذلك الوافد الإيراني.
هي مافيا كبيرة وفيها بطبيعة الحال رموز عالية نافذة في أدق سلطات الدولة، لا يمكن الاقتراب منهم حسب عاداتنا وتقاليدنا في عالم المحسوبيات واستغلال النفوذ والرياء الاجتماعي، إلا إذا حدثت معارك داخلية بين (دون كولوني كما هو الحال في فيلم العراب) ومنافسيه في السوق السوداء، وهم أيضاً من فئة الخمس نجوم، عندها يتم ترتيب عملية بطولية، بعد أن يقوم “أحدهم” بالوشاية عن الكبير، ويتم اصطياد “الوسيط” الذي يكون، عادة، الضحية المطلوبة لتمويه حقيقة التجار الحقيقيين للمواد المضبوطة، ويأتي بعدها الإعلام لتدبيج صفحات المديح والشكر للنسور والأسود في وزارة الداخلية، وإن لم تعد مثل هذه الألقاب تستعمل الآن.
دعونا نتحدث عن واقعنا المزري من لحظة تشريع منع الاتجار بالخمور بمجلس 63، ثم إضافة عقوبات أو تشديدها، وتوسيع نطاق الجريمة بتشريعات لاحقة وحتى الآن. أسئلة تطرح نفسها مثل: هل انتهينا حقيقة من آفة الخمور أم كان التشريع من غير جدوى، وفتح باب الشرور لما هو أكثر من الخمر؟ وكم نسبة زيادة الاتجار والترويج والإدمان بالمخدرات المدمرة، مثل الحبوب القاتلة والهيروين والكوكايين بعد تشريع منع الخمور؟ ألم يكن تشريع التجريم بالاتجار بالخمور نافذة ليلج منها تجار السموم وكانت عمليات التهريب في هذه الحالة أسهل وأجدى عند تجارها من الاتجار بالخمور؟
السؤال الأخير هو: إذا أخذنا دولاً قريبة مثل البحرين والإمارات، التي يهرول إلى مطاراتها الكثيرون من أهل الديرة المتململين من دوائر السأم في بلد الله لا يغير علينا، لا من أجل الاستمتاع بطقسها الذي هو شبيه بقساوته لطقسنا، وإنما من أجل لحظات فرح عابرة في فندق أو مطعم، هل يعاني أي من هاتين الدولتين ما تعانيه الكويت من جرائم الاتجار بالمخدرات أم لا؟ وإذا كانت الإجابة نافية، ألم يسأل أهل التقوى والورع بالدولة في المؤسستين التشريعية والتنفيذية عن السبب؟ أم أن المزايدة على المشاعر الدينية والرياء السياسي يمنعهما من ذلك؟ ألم يفكر قليلاً أي من هؤلاء سواء كانوا من رجال الدين أو الدولة في القواعد الفقهية، مثل يختار أهون الشرين وأخف الضررين، والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
ختاماً هناك دراسة نشرتها الأمم المتحدة قبل سنوات، وذكرتها أكثر من مرة، عن زيادة حالات الاتجار والإدمان للمخدرات (حبوب وما في حكمها من سموم) بباكستان لأكثر من 25 في المئة، بعد أن شرع الرئيس الراحل ضياء الحق في بداية الثمانينيات وبعد اشتعال حرب المجاهدين في أفغانستان ضد الكافر السوفياتي قانوناً يمنع الخمور ببلده، مسايرة وتيمناً بتجارب دول بني نفط التقية… فهل قرأها الجماعة هنا؟ وهل يدري عنها النواب العراقيون بعد إقرارهم لشقيقة المادة 206 جزاء كويتي، حين حصرت دائرة الفساد بكأس العرق دون غيره من “بلاوي” تنخر بالدولة…؟ هل هناك من يرى خلف ذلك الدجل والقناع الورع حقيقة الوجه الدميم للسياسة التشريعية كما هو دون مكياج…؟ أم أن الجهل والغطرسة والتملق السياسي أعمى بصائرهم؟!