حين وصل إلى أسماعي -وبصري أيضا- رقم المبلغ الذي اقترحته الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة جيش الدولة الإسلامية «داعش» وهو خمسمئة مليار دولار -أكرر «مليار وليس مليونا»- لم أهتم كثيرا بالأمر، فهم يأخذون نفطنا في الخليج منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى اليوم وبأسعار أقل من قيمته، أما لماذا قلت «نفط الخليج» ولم أقل غيره، فلأن المتحمل الأكبر لفاتورة حرب «داعش» ذات الأصفار الخمسة عشر أو الستة عشر إلى يمين الرقم (5)، ستكون دول مجلس التعاون الخليجي!
أقول، لم أهتم كثيرا للمبلغ المقترح من أجل حرب هؤلاء الفجرة، لأن الآباء والأجداد وتراثنا القديم يقول «المال يذهب ويأتي، لكن الأرواح -إن ذهبت- فهي لا ترجع أبدا»، و.. هذا هو اهتمامي الأول والثاني و.. الأخير.
إذا كانت الولايات المتحدة قد قررت أنها تحتاج إلى خمسمئة مليار دولار للقضاء على «أجساد» عناصر «داعش» فكم سنحتاج -نحن العرب والمسلمين من المال والأنفس- للقضاء على الفكرة «الداعشية» التي دخلت إلى رؤوس الأبناء والأحفاد، ومن يقف خلفهم مؤمنا بأفكارهم، وداعما لمنهاجهم؟
تعالوا نتبيّن أنواعهم، الأول: «الحالم»، وهو ذلك العربي -أو المسلم غير العربي- الذي أسرته حكايا نقاء الدولة الإسلامية في بداياتها، حيث أفعال الصحابة التي تنقلها كتب التراث وكأنهم «ثلاثة أرباع آلهة»، وصفات الكرم والنقاء والصفاء والصدق التي سيطرت على نفوس المسلمين في تلك الحقبة.
ثم تمتد الدولة الإسلامية بفتوحاتها التي تزهو بها النفوس وتشرئب لها الرقاب فيأتي زمن الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» -خامس الخلفاء الراشدين وما هو بخامسهم- حين لم يجد عاريا ليكسوه، ولا جائعا ليطعمه، ولا عطشانا ليسقيه فيقول قولته الشهيرة: «انثروا الحبوب على قمم الجبال حتى لا يقولوا.. جاع طير في بلاد المسلمين!».
هذا هو «الحالم» في الكويت والسعودية وتونس والجزائر وموريتانيا وحتى جنوب الصين ووسط الفلبين وكل أرض يرتفع فوقها آذان الصلوات الخمس.
الثاني: هو «الغاضب»، مسلم -عربي أم غيره- غطس في الجهل والفقر بسبب حكامه، وقبلها غطس والده وجده في الجوع والمرض بسبب حكامهم، وقبلهم الجيل الذي سبقهم والذي سبق الذين سبقوهم، فتراكمت الضغائن وامتلأت الصدور وفاضت الدموع، فجاء «أبو بكر البغدادي»، وكأنه «الشيطان الذي سلطه الرحمن على حكامهم الظلمة»، أو كما يرونهم.
الثالث: «المنتقم»، تربى على أن «الغرب كافر» معتقدا أنه مبدع وخلاق وإنساني وحنون، لكن «طوب الأرض» يتآمر عليه خوفا و«حقدا وحسدا» على «نعمة الإسلام» التي يدخل بها، فينشرح صدره «للدواعش» وهم يقتلون صحفيا بريطانيا أو أميركيا، ويدقق بعينين مركزتين على كل لحظة من لحظات ذبحه، لكنه يشيح بوجه وناظريه وسمعه عن أجساد المسلمين بلا رؤوس، وأجساد النساء بلا أثداء، وبطون الحوامل بلا أجنة.
هناك «الرابع» و«الخامس» و«السادس» و.. عد ما شئت حتى تصل إلى رقم مخيف، في داخل كل منهم سبب للوقوف مع «داعش»، فكيف ستصل كل صواريخ «كروز» وقذائف «الأف – 18» وقنابل «المارينز» التي سنشتريها بنصف تريليون دولار من الأميركيين إلى.. عقول وأدمغة ذاك «الحالم» وذاك.. «الغاضب» وذاك.. «المنتقم»، حتى ندمّر ذلك «الإرث التاريخي الذي دخل في جيناتهم» ليعودوا بشرا أسوياء؟
الجسد «الداعشي» الذي لديه «لحية» يمكن أن تقتله برصاصة ثمنها ستون سنتا، لكن كم روحا بشرية يجب أن تزهق وتعود إلى خالقها، حتى نقتل فكرة ملتحية داخل وجدان.. إنسان؟