الدنيا في أميركا تعكز على رجل واحدة، وتحجل كالكلب المدهوس في الشارع، والناس تلطم، وتنوح، والولايا يضربن على صدورهن، وينعين حظوظهن، وليلتهن طويلة، لا فجر لها، ليش؟ لأن مذيعاً في إحدى الفضائيات الأميركية، هو برايان ويليامز، كذب على المشاهدين، وادعى أنه كان من ضمن ركاب طائرة الهيلوكبتر التي تعرضت لهجوم في بغداد، أثناء الحرب الأميركية على العراق.
ولسوء حظه، كذّب الجنود روايته، ونفوا وجوده معهم في الطائرة، فاضطر إلى الاعتذار للمشاهدين، بحجة أن الحادثة جرت قبل نحو ثلاث عشرة سنة، وأنه كان في الطائرة الأخرى، المصاحبة لها، واختلط الأمر عليه، وظن أنه كان في الطائرة المعطوبة! طبعاً عذره يزيد الطين بلة، والطنبور نغمة، على رأي العلامة علي الوردي، لكنه خجل وبحث عن عذر.
فما الذي فعلته الفضائية التي يعمل فيها جناب المذيع الكذاب؟ مباشرة تم إيقاف برنامجه، واستدعي للتحقيق الداخلي، ومن المتوقع أن تُصدر القناة بيان اعتذار لمشاهديها، الحساسين الهائجين المائجين، وأن توقف برنامجه.
وقد يرفع أحد المشاهدين دعوى قضائية يطالبه فيها بالتعويض، وقد لا يجد عملاً بعد اليوم، فيجوع، ويتشرد في البراري والقفار، كمجنون ليلى، وقد تفترسه الذئاب والضباع، فيموت، ويتيتّم عياله.
هكذا هم الأميركان، يعشقون الضّهْوَلَة، وتكبير الحبة لتصبح قبة، والبكاء على قطرة لبن مسكوب مغشوش منتهي الصلاحية.
ليتهم استفادوا من خبراتنا وعاداتنا وتقاليدنا الإعلامية، ليتهم استقطعوا من وقتهم القليل، وشاهدوا كيف برر الإعلامي المصري العلامة، توفيق عكاشة، تقبيله ليد وزير إعلام حسني مبارك، ثم نكرانه الأمر، والكذب، رغم انتشار المقطع بالصوت والصورة، ثم ادعاء نسيان الحادثة، ثم تأكيدها، ثم تبريرها بأنها «أخلاق القرية» التي توجب تقبيل يد الضيف الكبير في السن.
ليتهم قرأوا بعض مقالات فؤاد الفضائي، التي لا تعد ولا تحصى، عن حصوله على معلومات عن حماس وفتح وحزب الله، عجزت الموساد عن الحصول عليها، رغم طلبها المساعدة من أجهزة الاستخبارات الأميركية، قبل أن تكتشف كل هذه الأجهزة الاستخباراتية، الخيبانة، أن كاتباً كويتياً، استطاع تقزيمها، وتحجيمها، وتفليمها.
ليتهم قرأوا بعض افتتاحيات عميد البجاحة، حفظه الله، الذي لا يكذب في اليوم الواحد، أكثر من سبع كذبات، أهون هذه الكذبات وأخفها ما يفقأ العين، ويصدع الرأس، ويبتر اليد من الكوع.
وها هو عكاشة يعكشنا ليل نهار، وها هي «مؤلفاته وتأليفاته» تحلق في فضاءاتنا بسلام، وها هم محبوه ومؤيدوه يملأون الميادين والساحات. وها هو الفضائي ما زال يحرج أجهزة الاستخبارات، بمعلوماته التي استفادت منها اسرائيل، والتي بسببها اجتمعت الحكومة الأمنية الإيرانية لمناقشتها. وها هو عميد البجاحة، يرسم لنا سيناريوهات المستقبل، رغم أنه لا يفك الخط.
كل هذا حدث لنا، وما لطمنا ولا نحنا ولا ضربت نساؤنا صدورهن، والحياة عندنا حلوة… كشكشوها ما تعرضوهاش أيها الأميركان.