ماذا يعني أن تهدم الحكومة مسجد الشملان، وتنقله إلى مكان قريب طالما كان المسجد يعترض توسعة الدائري الأول، وطالما أن الوزير العمير تعهد بنقل الشبابيك الخشبية والأبواب القديمة، وهي كل ما تبقى يربط المسجد ويربطنا معه بالهوية والتراث التاريخي، وأيضاً نسأل متى اكترثت الحكومة بالتراث والهوية، حتى تثار هذه الضجة الإعلامية عن المسجد، يكفينا من التراث بوابات السور والمتحف الوطني وبعض المباني العتيقة بعد تجديدها، ودواوين شارع الخليج التي تلاحق عليها مؤرخنا سيف مرزوق الشملان، وأقنع الراحل جابر الأحمد بالإبقاء عليها في زمن رصف شارع الخليج العربي بالأسفلت، وقبل أن تزينه المعالم الحضارية العظيمة لمطاعم “الفاست فود”، وسيف بالمناسبة هو حفيد شملان بن علي المؤسس والمتبرع بالمسجد، وواحد من أهم الرموز التاريخية بدولة ما قبل النفط الأصيلة، ولا ننسى القرية التراثية القابعة مبانيها الأسمنتية كالغراب الكئيب في شارع الباستيل الخليجي، تذكرنا بحصافة الإدارة بالدولة وسرعة الإنجاز بدروب فساد عقود المقاولين وحواري من صادها عشى عياله.
أي هوية وأي تاريخ يتم اللطم من أجلهما الآن وعندنا ولله الحمد مجمعات تسوق ضخمة ننافس بها غيرنا بدول الخليج، في حضارات “أطول عمارة وأكبر شارع وأضخم مجمع تجاري بالعالم وغيرها بمدن الملح المسورة بثقافة ارتفع سعر البرميل وانخفض سعر برميل النفط” ويالله الجدوه!
كذلك لماذا غضب إعلامنا السائر تحت ظلال حوائط “الخطوط الحمراء” لقرار الداخلية الاستعانة بشرطة بنغالية في بعض أمورها “اللوجستية” مثل أمن المنشآت أو قضايا فنية بحتة. المهم أن جهاز القوات الخاصة يظل وطنياً خالصاً، فهذا مهم جداً لحفظ الأمن والنظام من وحشية المظاهرات السلمية حين تخرج عن سلميتها بعد أن يردد المتظاهرون والمتجمعون “سلمية، سلمية”، فنعرف أن مثل تلك العبارات الخطيرة يمكن أن تهدد أمن ووجود الدولة وتسقط هيبتها لو صمتنا عنها، والهيبة، كما تعرفون، مسألة جداً مهمة عند شيوخنا الله يحفظهم، هكذا أخبرونا عبر الإعلام الرسمي وشبه الرسمي.
كذلك لماذا تلك الازدواجية بالمعايير في مواقف استئجار البشر من دول فقيرة مسكينة مثل بنغلادش؟ هل نسينا أننا نستأجر ونسخر البنغال كخدم في منازلنا، ونستأجرهم لتنظيف الشوارع وجمع قمامات أهل الديرة الدسمة، ونستأجرهم ونستأجر غيرهم في كل صغيرة وكبيرة من التمريض والطب إلى أبسط المهن، ولولاهم لما قامت حضارتنا الرائعة؟ هؤلاء البنغال ومن في حكمهم يخدموننا ويسهرون على راحتنا في منازلنا، ولا يوجد قانون يحميهم، فماذا يمنع أن يواصلوا السهر على خدمتنا في الأمن والأمان خارج المنازل…؟ لماذا الاستئجار حرام على وزارة الداخلية حلال عليكم…؟ الدولة برمتها وبكل مرافقها تقوم على قوة عمل “الأجانب” الوافدين، وبماذا يزعجوننا؟ يسكنون في مناطق محددة نقطع عنهم الكهرباء والماء لو خالطوا العوائل في مناطق السكن، القانون لا يقترب من المالك، فالجنسية الكويتية في قضايا المال هنا فوق المساءلة، وهم الوافدون يتعالجون في أوقات تختلف عن أوقاتنا، ومستشفيات غير مستشفيات أبناء الديرة، اليوم مستشفى جابر وغداً غيره… ما معنى هذا الضيق من الآخر الوافد “المختلف عنا”، مثلما علمتنا النرجسية النفطية…؟!
بعد كتابة المقال، قرأت توضيح بيان وزارة الداخلية لطبيعة استئجار البنغال، ونوعية الأعمال التي سيقومون بها، وقرأت قبل ذلك مؤتمر الوزير العمير عن إنجازات الحكومة ومجلسها… فقلت الحمد لله… أمورنا بخير ولا ينقصنا شيء… هم دائماً أبخص.