المرجح، كما تكرر الصحافة الأجنبية، أن قبضة الرئيس إردوغان على السلطة ستقوى، بعد محاولة الانقلاب على شرعية الحكم، وإذا كان التضييق في السابق تم على الحريات الإعلامية في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن الانقلاب الفاشل سيوفر المبرر الكافي لتضييق الخناق على المعارضين، وقد يشفع للمعارضة السلمية للرئيس أنها نزلت إلى الشارع ضد مشروع العسكر الانقلابيين، واصطفت مع الشرعية، وهي، بالمناسبة، شرعية حقيقية قوامها صناديق الانتخابات وأحزاب حرة ومؤسسات مجتمع مدني، طبعاً هي ليست كاملة ولا يمكن مقارنتها بالغرب، ولكنها أفضل آلاف المرات من السابق ومن دول النظام العربي والإسلامي، مثلا قناة “سي إن إن ترك” المعارضة التي بثت خطاب الرئيس إردوغان من تليفونه ودعوته مؤيديه للنزول إلى الشارع.
مع ذلك هناك هواجس خوف وقلق أن تتجاوز ردود الفعل للحكم حدود “المعقول في اجتثاث المعارضة التي هي محل شكوك” بتآمرها مع الانقلابيين، إذ تم عزل 2700 قاضٍ وتم القبض على 6000 من المتهمين بالانقلاب، ما هي مبررات عزل القضاة؟ وهل معارضتهم تبرر عزلهم دون مراعاة الإجراءات القانونية المفروض اتباعها؟ أياً كان المبرر لهذا العزل علينا ألا ننسى أن من مقومات شرعية النظام الدستوري استقلالية القضاء وضمان استقرار أهله، وعسى أن تكشف إدارة الرئيس إردوغان أسباب العزل التي يجب أن تكون مبنية على حكم القانون ويقين ثابت بالإدانة لا على شكوك واتهامات عامة.
رغم كل ما سبق، ورغم قسوة الإجراءات التي اتخذتها السلطة في تركيا كرد فعل على الانقلاب، ومهما قالت وسائل الإعلام عن حالة “بارانويا” (التشتت والشعور الطاغي بالاضطهاد) في سياسة تركيا الآن، تظل الدولة التركية نموذجاً نتطلع إليه في محيطنا العربي الفاشل، ومن حقنا أن نحلم به، رغم عواره ونقصه، كبديل معقول لمجمل نظامنا العربي، أما حين نحلم بنظام ديمقراطي دستوري مثل دول الغرب، فهنا سيكون حلمنا خرافة مستحيلة في مثل ظرفنا وتاريخنا الاجتماعي، فلنتواضع في أحلامنا.