لم نعش أنا والكثيرون حقبة مسح التاريخ العمراني الكويتي للأسف، وإلا لكان لنا موقف مما حدث من طمس لخبرات كويتية خالصة متراكمة رسمت وشكّلت بناء الكويت وتعاطيهم مع الإمكانات المحدودة وتحويل هذه البقعة الصحراوية الصغيرة إلى مدينة تضج بالحياة والعمل.
لم تكن تنقصنا الأراضي ولا السواحل حينها كي نهدم الكويت القديمة ونستبدلها بمبان جديدة، بل كان بالإمكان تشييد مدينة الكويت الجديدة بل مدن جديدة شمال المدينة القديمة أو جنوبها، لنتمكن وتتمكن الأجيال من معرفة تاريخ الكويت بشكل أكثر واقعية ولتبقى الهوية الكويتية لمرحلة ما قبل النفط راسخة في أذهاننا تذكرنا دائما بسبل الحياة، وتمكن من عاش تلك الحقبة من ملامسة ماضيهم حين يعتريهم الحنين والشوق لتك المرحلة، فكلنا نشتاق إلى مدارسنا ومنازلنا وأماكننا القديمة، وكثير منا يتمكن من استحضار ذكرياته بزيارة تلك المواقع إلا من عاش طفولته وصباه في مدينة الكويت القديمة، فهو لا يستطيع ذلك لأن الدولة باختصار دمرت كل ذكرياته وجعلته أسيرا لحنين لا يمكن له أن يشبعه برؤية مواقع ذكرياته.
عموما لن ينفع الحديث عما حدث ولن يعيد ما دُمَر مهما كتبنا أو عبرنا عن الندم والحسرة عليه، إلا أن ما يمكن عمله هو الحفاظ على ما تبقى من تلك المدينة الجميلة، ولم تطله إلى الآن أيدي مسح التاريخ الحكومية، فهناك مساجد وحسينيات وأسواق ودواوين ما زالت شاهدة على تلك الحقبة، لم تطلها إلى الآن معاول الهدم، ولكننا فوجئنا قبل أيام قليلة بقرار الحكومة بهدم أحد المساجد التاريخية بحجة تشييد طريق جديد، وبالطبع فإن الهدم هو أسهل الحلول لمن لا يرغب في التفكير والبحث عن بدائل تحافظ على الصروح التاريخية المهمة، وما إن تمت إثارة هذا الموضوع، أي موضوع هدم المسجد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى رأينا كل وزير مسؤول يتبرأ من هذا القرار ويلقيه على غيره من الوزارات، في دليل واضح على أن القرار خاطئ والدفاع عنه مخجل، وهو ما يلخص لنا حالة الضياع التي تعيشها الدولة بحكومتها بل حكوماتها المتعاقبة.
دفاعنا اليوم ليس عن مسجد قديم فحسب بل عن هوية تاريخية يجب الحفاظ عليها مهما حاولت معاول الهدم أن تزيحها وتتخلص منها، فما حدث من طمس لتاريخنا في الماضي يجب ألا يتكرر مع ما تبقى لنا من ذلك التاريخ اليوم.
إن مواجهة قرار الهدم بشكل جماعي واجب تجاه الدولة وتاريخها وتراثها والتصدي لمثل تلك القرارات الهادمة يجب ألا نتجاوزه ونمر عليه مرور الكرام.
ضمن نطاق التغطية:
في الوقت الذي تسعى الدولة فيه إلى هدم المباني التراثية في مدينة الكويت فإنها تسعى إلى تشييد قرية تراثية بالمنطقة، أي حماقة تلك؟!