بعد عام من الاتفاق النووي، يبدو أن الأمر لا يتجاوز كونه تطبيقا جامدا لبنود اتفاق مكون من 130 صفحة. هل تغير شيء! لا شيء تغير جديا سوى تأجيل مشروع إيران النووي. وبرغم مراقبة وكالة الطاقة الذرية، هناك التفاف إيراني في ملفات جديدة، منها تطوير واختبار إيران للصواريخ الباليستية بعيدة المدى ــ يمكنها حمل رؤوس نووية، وهذا انتهاك ضمني. كما سعت منذ عدة أشهر لشراء ألياف كربونية من ألمانيا، وهي منتج تكنولوجي متقدم يستخدم أجهزة تنقية اليورانيوم، إلا أن الصفقة توقفت سريعا.
وقد بدا خلال هذا العام أن لا ثقة متبادلة بين أمريكا وإيران، مهما أظهرت الصورة تملقا مفتعلا في تحسن العلاقات. وجاء رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أبطأ بكثير مما توقعه الإيرانيون. بل هناك مخاوف من الشركات والمصارف الغربية، ولا سيما الأوروبية منها، في التعامل مع طهران. وإن كانت الأنظار قد تركزت على استفادة إيران من صفقة الاتفاق النووي، إلا أن من استفاد أكثر هي روسيا، حيث اشترت أمريكا فائض مواد تصنيع الأسلحة الروسية وحولتها إلى وقود للطاقة النووية. في المقابل، فإن غالبية الأموال التي تم الإفراج عنها نتيجة إلغاء العقوبات ذهبت لحرس الثورة الإيراني، إذ لا تزال إيران تنفق بسخاء على مشروع تصدير الثورة وليس لأغراض مدنية. وهي الأموال التي كان الداخل الإيراني ينتظرها بحماسة واحتفالية، فتلاشت تدريجيا وحل محلها الإحباط.
استعادت إيران جزءا فقط من الأموال المعلن عنها بعد رفع الحظر. إلا أن تحرير عشرات المليارات من الدولارات المجمدة التي تملكها إيران على هيئة أصول، وتدفق الاستثمارات والانفتاح الاقتصادي.. كل ذلك آمال تذروها الرياح. إيران محل انقسام كبير في المشهد السياسي الأمريكي. فعوضا عن انقسام الرأي حول الاتفاق النووي، فقد أصدر البيت الأبيض قرارا أخيرا بأغلبية ساحقة يقضي بعرقلة صفقة قيمتها 17.6 مليار دولار من شركة بوينج لبيع طائرات لشركة طيران إيران، وقد كانت ستصبح، إن تمت، أكبر صفقة تجارية بين إيران وأمريكا منذ أزمة الرهائن قبل 37 عاما.
وفي المنطقة، تستمر سلوكيات إيران المستفزة وتهديدها للاستقرار، ولا سيما تجاه الخليج. لم يتغير شيء كما كان عليه الأمر قبل الاتفاق النووي مع إيران، ولم تتأثر هذه السلوكيات بالمفاوضات الطويلة بينها وبين القوى العالمية. وهذا الاستفزاز يطبع كل تحركاتها في المنطقة. كما تستخدم إيران قوتها البحرية في الخليج لتؤكد عدم اكتراثها للوجود البحري الأمريكي في المنطقة، وقد سبق أن هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز لتعطيل شحن النفط في الخليج إذا تعرضت مواقعها النووية لأي هجوم، وهذا ما يعني استهداف دول الخليج في الدرجة الأولى.
الاتفاق النووي الإيراني مهدد بالتقويض، إما من الجمهوريين في حال فوز ترامب بمقعد الرئاسة، وإما من الإيرانيين أنفسهم، الذين يزعمون أن الولايات المتحدة لم تف بالتزاماتها.
إدارة أوباما تحرص على تركة وإنجاز الاتفاق النووي، لكن الأمور قد تتغير بتغير مقعد الرئاسة الأمريكي قريبا.