كما بشكل متكرر في الآونة الأخيرة، وقع انفجار هائل جديد في مجمع بوعلي سينا للبتروكيماويات بميناء معشور (ماهشهر) في إيران، وهو الذي يعتبر أكبر مجمع بتروكيماوي في إيران ويطل على الخليج العربي، في إقليم عربستان أو خوزستان كما يطلق عليه رسميا. كما يضم الميناء/ المدينة الذي يعتبر ثاني أكبر المجمعات البتروكيماوية في الشرق الأوسط، بعد مجمع “سابك”، معظم صناعات البتروكيماويات الإيرانية، كما يضم أكبر احتياطيات إيران من النفط.
تكرار هذه الانفجارات يبعث على القلق من الأخطار المترتبة على ذلك، وليس أقلها بيئيا على المنطقة. فخلال أقل من شهرين فقط حدث انفجاران وحرائق في أكبر مجمع بيتروكيماويات في إيران. وقد تكررت حوادث الانفجارات في مصانع البتروكيماويات كذلك في تايوان وباريس والمكسيك خلال الأشهر القليلة الماضية من هذا العام. لكن المشكلة في إيران ليست في مجمعات ومصانع البتروكيماويات التي تفصلنا عنها مياه بحر الخليج فحسب، بل أيضا في مفاعلاتها النووية كمفاعل بوشهر الذي يجثم على الجانب الآخر من الخليج العربي أيضا، في منطقة تنشط فيها الزلازل.
عوضا عن كارثة هيروشيما العسكرية، كان انفجار مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا في عام 1986، أكبر كارثة نووية عرفها العالم على صعيد البرامج النووية السلمية، تلك التي تستخدم لإنتاج الطاقة، فقد أطلق المفاعل ثمانية أطنان من الوقود النووي في الهواء. وكان حجم المواد المشعة التي انبعثت من المفاعل يعادل ما تطلقه 200 قنبلة نووية، أصيب مئات الآلاف من جراء الإشعاعات بأمراض كالسرطان والإعاقات والتشوهات، وتوفي نحو ثمانية آلاف شخص، وهجر أكثر من 200 ألف مواطن أماكنهم. وكان العالم على شفا كارثة نووية جديدة حين ضربت هزة أرضية عنيفة اليابان، التي تلاها مد تسونامي، الأمر الذي تسبب في أضرار في محطة داييتشي النووية في فوكوشيما، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي قامت بها اليابان لتفادي تبعات الانفجارات في المفاعل، إلا أنه أطلق ملوثات إشعاعية خطيرة.
حدثت كوارث مختلفة في العالم، من ذلك تعرض مفاعل توكاي مورا في اليابان لحادثة تسرب إشعاعي في عام 1999، وفي 2004 حدث انفجار في مفاعل ميهاما الياباني، على الرغم من تبني اليابان معايير أمان متشددة. وكادت الولايات المتحدة أن تكون ضحية مأساة نووية أخرى في مفاعل دايفد بيسي في عام 2002، وفي عام 2003 أعلنت فرنسا خطة طوارئ نووية بعد فيضان نهر الرون وتهديده أحد المفاعلات التي تنتج الطاقة الكهربائية، كما اكتشفت المملكة المتحدة في عام 2000 أخطاء فادحة في معايير السلامة في مفاعل سيلافيد. هذه التهديدات دفعت بالدول المتقدمة إلى إعادة التفكير في برامجها النووية، وبعضها للتخلص نهائيا من المفاعلات النووية، ففي اليابان توقفت كل المفاعلات البالغ عددها 48 مفاعلا عن العمل تدريجيا بعد كارثة محطة فوكوشيما، ولن يعود معظمها إلى العمل بسبب المعارضة الشعبية. وفي ربيع عام 2011 اتخذت الحكومة الألمانية قرارا بالتخلي عن الطاقة النووية، وأقر البرلمان الألماني خطة زمنية يتم بموجبها إغلاق المفاعلات التي ما زالت قيد العمل في مهلة أقصاها عام 2022. كما بدأت دول أخرى برامج التخلي عن الطاقة النووية في وقت مبكر، مثل السويد، وإيطاليا، وبلجيكا، وناقشت دول أوروبية أخرى الموضوع ومررت قرارات بحظر إنشاء مفاعلات جديدة.
هذه كوارث حدثت في دول متقدمة تكنولوجيا واقتصاديا، وتنفق على تأمين مشاريعها ورفع مستويات السلامة، فكيف الأمر بالنسبة لإيران التي تعاني اقتصاديا وتقنيا، وقد تتنازل عن معايير السلامة نظرا لتكلفتها. كل ذلك مع احتمال إلقاء نفايات نووية تحمل إشعاعات عالية في مياه الخليج. بدأ بناء المفاعل الإيراني في عهد الشاه في عام 1975 بواسطة شركات ألمانية، وتوقف بعد الثورة الإيرانية، واستأنفت إيران العمل بعد سنوات طويلة من التوقف، من خلال شركات روسية، ما أدى إلى تقادم مرافقه في المراحل الأولى، وعدم التأكد من صلاحيتها. كل هذه أمور ترفع شارة الخطر الحمراء عاليا.