من الظواهر الإنسانية السلبية سلوكيا ظاهرة العناد والمكابرة، وهو سلوك يدفع من يختاره إلى تخليه عن قيم الحوار واستيعاب الرأي الآخر وتقديره، لذا فهو حين يستمع الى رأي غيره لا يكون رائده فهم وجهة نظر الآخر والاقتناع بها بقدر ما يكون الهدف البحث عن أي حجة للرد على رأي الآخر دون السعي الى الاقتناع أو الاقناع بقدر المجادلة تملصا من الأخذ بهذا الرأي، وهذه ظاهرة تنتشر بالمجتمعات التي لم تترب على قيم الحوار واحترام الرأي الآخر وتعيش الشخصانية في السلوك تلقيا وتواصلا، فهو متلقيا اعتاد على أخذ الأوامر وتنفيذ التوجيهات حتى التي لا تكون مقنعة أو منطقية، ومن جهته فهو يرغب في أن تنفذ وجهة نظره دون نقاش، ولذا يرى أن وضع الناس أمام الأمر الواقع هو الوسيلة، وهو لا يدرك أنه ينفر الآخرين من حوله.
والمعاند يفسر كل رأي أو تعامل لا يتطابق ووجهة نظره على أنه سلوك موجه ضده، ولذا فهو من حيث لا يدرك يرى النصيحة خلافا، والنقد السوي تجريحا، ومن هنا نجده يخسر الأحبة والأخوة والأصدقاء وزملاء العمل، فيكون هناك حرص من قبلهم بعدم الرغبة بالتعامل معه أو تجنب محاورته، فهو كثير الجدل لا يبالي بآراء الآخرين، متعب في التعامل، مراسه صعب بمزاجية غير منطقية، غير منصف في وزن كلام الناس، ولا يحسن إنزاله منزلته اللائقة به.
وسرعان ما يتحول عناده ذاك لمكابرة مضرة تجعله لا يشعر بخطئه ولا يعتذر عن أخطائه حتى بعد إداركه لها، ويبلغ الأمر مداه في محاولته المستميتة لتمرير وجهة نظره باستخدام كل الطرق، ولو بفرض الواقع، ظنا منه انه يحقق شيئا مهما، وهو مخرب بسلوكه، يدمر أكثر مما يبني، لأن غايته شخصانية ولا تتسم بالمنطقية في معظم الأحوال.
ولو تعقبنا نمط هذه الشخصية لوجدناها منتشرة في مجتمعنا، وهي أحد أسباب تخلفنا كدولة ومجتمع بجميع النواحي،
فهناك السياسي الذي أعماه مجده الشخصي للمعاندة، فألحق ضررا بالدولة ومؤسساتها وجعل الارتجال هو أساس قراره، ضاربا عرض الحائط الدراسات والاستشارات، وهناك المسؤول الذي جل جهده هو محاربة ومعاداة مخالفيه وكسر عزمهم وطموحهم، وهناك الموظف الذي يشغله الكيد والتآمر مصرا على مكابرته، وهناك الحبيب والصديق والزميل الذي خسر من حوله أو يكاد وهو يحسب أنه يحسن صنعا، وغيرهم كثير ..، فهلا غرسنا قيم الحوار واستيعاب الآخر لنرتقي بسلوكنا وذواتنا ومجتمعنا.