التسامح أصعب بكثير من الانتقام، كما أن الاعتذار أشد صعوبة من المكابرة والعناد. وللأسف صار الناس يستسهلون الكراهية ويشجعون الثأر والانتقام، ويستنكرون العفو والتسامح والاعتذار. أما يوم الأحد الماضي فقد كان الأمر مختلفاً.
في تمام الساعة الثامنة من يوم 8 فبراير 2015 كنا على موعد مع لحظة تاريخية في ديوانية عبدالله النيباري بالضاحية. خططنا على مدى شهرين بهدوء شديد لتلك الليلة الجميلة، فكانت ليلة ولا كل الليالي.
الحكاية بدأت في ليلة حالكة من 1997، حين جرت محاولة اغتيال الشخصية السياسية البارزة عبدالله النيباري أثناء عودته من الشاليه هو وزوجته فريال الفريح. أصيب عبدالله إصابات مباشرة كما أصيبت فريال، ولكن الله حفظهما، خضع عبدالله لعمليات طويلة داخل البلاد وخارجها.
تم القبض على الجناة، وحُكم على أغلبهم بالمؤبد. ومنذ أربعة أشهر جرت محاولة سبقتها محاولات لدى سمو الأمير للعفو عن الشخص الرئيسي في تلك الجريمة وهو سلمان الشملان، بعد قضائه 17 عاماً في السجن، وهنا اشترط الأمير للعفو موافقة النيباري، فوافق النيباري وعفا عنه وأبلغ سمو الأمير ذلك كتابياً، ذاكراً جهود د. يوسف الإبراهيم ويوسف النصف (أبوعمر) في ذلك. لم يتعرض عبدالله لأي ضغوط لا ترغيباً ولا ترهيباً، ولكنها كانت قناعة ذاتية بالتسامح والعفو، وهكذا كان.
اللقاء الذي تم يوم الأحد الماضي كان محاولة حقيقية لاستعادة ثقافة التسامح والاعتذار بدلاً مما هو سائد من خطاب الكراهية وتشجيع البغضاء بين أبناء الوطن.
هناك ثلاث حلقات تماسكت وترابطت لكي تظهر منظومة التسامح وثقافة الاعتذار علناً، الحلقة الأولى كانت سمو الأمير- حفظه الله-، فرغم أن له حقاً دستورياً بالعفو عن سلمان فإنه أصرّ على أن يكون العفو الصادر منه مشروطاً بموافقة النيباري تقديراً منه لحساسية الموقف، أما الحلقة الثانية فكانت عبدالله النيباري نفسه، وزوجته فريال الفريح، فما كان منهما إلا أن تساميا على الجراح، وأعلنا عفواً غير مسبوق.
أما الحلقة الثالثة فكانت سلمان ذاته، الذي كان يسعى منذ خروجه من السجن ليقدم اعتذاره، كأنه يريد أن يخفف عبئاً ثقيلاً على ظهره إلا أن محاولاته تلك كانت لا تصل لسبب أو لآخر، رغم قيام العديد بمحاولات في هذا الاتجاه.
هذه هي الحلقات الثلاث التي سهّلت لنا إخراج الليلة الجميلة يوم الأحد الماضي.
كانت الفكرة هي كيفية استعادة المبادرات السابقة، وتحويلها من حالة سلبية إلى طاقة إيجابية عنوانها الاعتذار والتسامح، كانت المسألة بحاجة إلى شيء من التخطيط، وشيء من الخبرة في إشاعة السلام بين الناس، والكثير الكثير من الصبر والصدق والالتزام.
لكي يصبح المجتمع مستقراً، عليه أن ينهي خطاب الكراهية المستشري أياً كانت دوافعه، واستبعاد المتطرفين من الفضاء العام، وذلك لن يحدث إلا بإيجاد نماذج حية للتسامح والاعتذار وقبوله، ونحمد الله أننا في هذا المثال استطعنا أن نحيل فعلاً سلبياً كارهاً للحياة إلى فعل إيجابي وطاقة إيجابية واعدة تشعرنا بالتفاؤل في زمن العدم.
ولذا نقول شكراً لأصحاب الحلقات الثلاث، بدءاً بصاحب السمو، ووقوفاً عند عبدالله النيباري وزوجته فريال الفريح، ومروراً بسلمان الشملان، والشكر موصول لكل مَن بذل جهداً في إفشاء السلام، وليرحمنا الله ويغفر لنا ويعفو عنا، ويحفظ هذا البلد من كل مكروه. رفعت الأقلام وجفت الصحف.