يعتبر كفن تورين، Turn Shroud، وهي تسمية تطلق على قطعة قماش من الكتان بحجم اللحاف الذي يغطي الجسم البشري، مطبوع على وجهه الخارجي صورة رجل يعتقد الكثيرون انها تمثل وجه السيد المسيح، والقطعة هي الكفن الذي دفن فيه، وهو موجود في كنيسة كاثوليكية في مدينة تورين الصناعية الشهيرة، وتجذب ملايين السياح سنويا للمدينة للتبرك برؤيته.
وعلى الرغم من أن الكفن اكتشف عام 1370 فإن الجدل حول صحته لم يتوقف. وقد وافقت الكنيسة الكاثوليكية عام 1988 على إجراء فحص «راديوكربوني» للقطعة من خلال ثلاثة مختبرات عالمية معتمدة، وبينت النتائج أن القطعة يعود تاريخها للفترة من 1260 و1370، اي بفترة طويلة بعد التاريخ المفترض لصلب المسيح. وعلى الرغم من قوة الأدلة على صحة الفحص الكربوني، فإن غلاة المؤمنين يميلون لعدم تصديق النتيجة.
المهم في هذا الموضوع أن الكنيسة الكاثوليكية كانت تعرف مسبقا حجم المخاطرة بتعريض القطعة للفحص الكربوني، فتعريض هذا الأثر الديني التاريخي المهم للفحص العلمي قد يؤدي لكشف امور قد لا تكون في مصلحتها، وقد تفقد القطعة قيمتها، وخسارة ما يردها من أموال سنويا، ولكن العشق العلمي لدى الغرب تغلب على الجشع المادي وقبلت الكنيسة بالتجربة، وعرف العالم الحقيقة، وبقي البعض على رأيه، دون قتال.
ولو حاولنا تطبيق العملية نفسها على الكثير من الأمور التي نعتبرها من المقدسات التي لا يجوز الاقتراب منها، لعارضت جهات كثيرة الأمر. فكثيرون مثلا لديهم اليوم شهادات صادرة عن جهات دينية في المغرب والسعودية تثبت عودة نسبة اسرهم، أو أصولهم لقريش ولقبيلة بني هاشم بالذات، وطبعا ليس هناك ما يؤيد صحة مثل هذه الشهادات التي ربما لا يزيد ثمنها على ثمن الورق الذي كتبت عليه. وطبعا لا ننسى قصة الشاب الفلسطيني الذي انتحل صفة «سيد من آل البيت» والذي نجح في اقناع أحد كبار رجال الدين في الكويت قبل سنوات بوضع العمامة السوداء، الخاصة بأهل البيت على رأسه «الشريف»، وجعله سيدا من سلالة النبي!
إن في حياتنا أمورا كثيرة، وأنسابا مختلطة وادعاءات لا أول ولا آخر لها، والبصمة الوراثية يمكن ان تميط اللثام عن أمور كثيرة، وبالتالي فإن الدافع وراء إعلان بعض مقاطعي الانتخابات العودة والمشاركة فيها عام 2017، يكمن في رغبتهم، كما صرحوا، في العمل على وقف العمل بهذا القانون، الذي لو طبق بشكل سليم لأطاح برؤوس شهيرة، حان أوان الإطاحة بها.
إن البصمة الوراثية سلاح ذو حدين، ولكن فائدتها أكبر من ضررها بكثير، والعبرة في طريقة تطبيقها، وطريقة استخدام ما ينتج عنها، وبخلاف ذلك تصبح سلاحا بيد الحكومة تستخدمه متى ما رأت ذلك في مصلحتها!