بعد تقديم التعازي والمواساة للشقيقة الخليجية بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وخالص الدعوات للشعب السعودي العزيز وللمملكة بالأمن والأمان والسلام والاستقرار في ظل العهد الجديد الذي حسم ترتيباته الداخلية بشكل سريع، نشاطر إخوتنا وجيراننا بعض آفاق المستقبل وسط تقلبات متلاحقة، ويبدو أنها مستمرة في المنظور القريب.
وعلى الرغم من الثوابت التي تسير عليها المملكة في سياستها الداخلية والخارجية، فإن هناك نهجاً قد يتميز به كل حاكم وفق فلسفته واجتهاده وفريق عمله السياسي والاستشاري، وقد عكست مجموعة القرارات السريعة للملك سلمان بن عبدالعزيز مثل هذا التوجه إيذاناً بالإعلان عن عهد جديد له خصوصيته وتحدياته وطموحاته، وأول هذه القرارات تعيين ولي العهد الثاني من أحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، واختيار الأمير محمد بن نايف يعني أن النظام الملكي قد دخل حقبة جديدة ومختلفة تفتح معها أبواب المنافسة على الحكم من جيل شبابي منفتح ومثقف قد يتقاطع مع الحليف الاستراتيجي الديني المتمثل بآل الشيخ.
وقد بدأ الملك عبدالله بن عبدالعزيز سياسة احتواء النفوذ الديني ذي الطابع المتشدد بالتزامن مع استقطاب شرائح مجتمعية جديدة من خلال برامج إصلاحية غير مسبوقة؛ مثل تمكين المرأة السعودية ووصولها إلى مجلس الشورى، وإطلاق نظام الانتخابات ولو كبداية على مستوى المجالس البلدية المحلية، وإطلاق مشاريع تنموية حديثة تتماشى مع الطابع العصري ووفق إمكانات المملكة الضخمة.
لذا فإن وجود الأميرين مقرن بن عبدالعزيز ومحمد بن نايف قد يشكل رؤية جديدة لاستدامة هذا الانفتاح، خصوصاً أن الفكر المتشدد دينياً بات يهدّد الكيان السعودي نفسه من خلال العمليات الإرهابية في الداخل وهروب الكثير من الشباب السعوديين للقتال خارج ديارهم.
نجاح مثل هذه السياسة الداخلية مرهون بقدرة الحكومة السعودية الجديدة على وضع حلول لمشاكل الفقر التي تعانيها الكثير من المناطق، وتركها قد يكون سبباً في تحولها إلى حواضن للتشدد الديني والتطرف الفكري، ومفاتيح الحل متوافرة في هذا المجال، حيث شهدت السعودية طفرة كبيرة في النمو السكاني، وبات لديها ثروة بشرية هائلة تجاوزت الثلاثين مليون نسمة يمكن استغلالها بشكل إيجابي في أغراض التنمية الإنسانية المستدامة، وجعلها نواة تدشين أكبر توسعة في البنية التحتية السعودية.
وفي خط مواز شهدت الحقبة السابقة حركة تعليمية جبارة خصوصاً على المستوى الجامعي، فقد تجاوزت الجامعات السعودية الحديثة الثلاثين جامعة منتشرة عبر البلاد الواسعة، وبلغ عدد المبتعثين للدراسة في الخارج ربع مليون طالب وطالبة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الشباب السعودي نجد أنهم في طليعة مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي على مستوى العالم.
هذا الغول البشري وبهذه الإمكانات يجب احتواؤه واحتضانه من خلال سياسة قائمة على الانفتاح والتعددية واستعادة ذاته كأحد أغنى شعوب الكون في بناء مستقبل واعد، وتغيير النمطية التي غذتها وسائل الإعلام الغربية وساعدتها في ذلك تلك التيارات الدينية المتشددة، لذا نأمل أن تكون اللبنة الجديدة في العهد السعودي الجديد ضمن هذا المسار الواعد والجميل!