فرنسا ترد الإحسان بالإساءة بعد التعاطف الكبير الذي أبداه العرب والمسلمون مع حادث الهجوم الإرهابي على مبنى مجلة “شارلي إيبدو” ومقتل مجموعة من العاملين فيها، وبدلاً من تفهم عاصفة التنديد والاستنكار من غالبية العواصم الإسلامية الرسمية والقطاعات الشعبية، وتقدير هذا الموقف النبيل من العرب، تعمدت وسائل الإعلام وذات الصحيفة وبمباركة الحكومة الفرنسية وتشجيعها الإساءة إلى رسولنا الكريم صلوات الله عليه وعلى آله وبمنهجية منظمة وإصرار على مدى أيام متتالية.
قد نتفهم حالة الغضب في الشارع الفرنسي كما عبرنا في مقال سابق، ويستحق هذا الشعب منا مشاعر الاحترام رغم إرهاب الدولة الوحشي والمجازر المروعة التي مارسها الاستعمار الفرنسي في عالمنا العربي، وتحديداً في سورية والجزائر، ولكننا طوينا هذه الصفحة الدامية، وحتى من باب حرية التعبير المزعوم ذات المعايير المزدوجة التي تحاول بعض وسائل الإعلام الخاصة استغلالها، فإن الموقف الرسمي الفرنسي هو المستهجن والمنبوذ.
الحكومة الفرنسية يفترض أن تعكس الرأي الرسمي للدولة في ظل العلاقات الواسعة التي تربطها بالعالمين العربي والإسلامي، ومن المستغرب أن تركب السياسة الرسمية الموجة، وأن تسمح بهذه الإساءات المتكررة بدلاً من المحاولة الجادة لامتصاص الغضب والسعي من أجل التمييز بين الإسلام والإرهاب، وبين عموم المسلمين وحفنة من الضالين المتطرفين، فمن أسباب ما يحدث من مجازر وإرهاب ومذابح جماعية بحق العرب والمسلمين السياسة الفرنسية الحالية، ومواقفها المشبوهة من الحركات الإرهابية وغطائها السياسي.
في موقف رائع لوزير خارجية فنلندا أثناء مؤتمر صحافي مع وسائل الإعلام المحلية قال مستهجناً “إن السخرية من السود عنصرية والسخرية من النساء شوفينية والسخرية من اليهود معاداة للسامية ولكن السخرية من الإسلام هي حرية التعبير!”
ليس عيباً أن تتعلم الحكومة الفرنسية دروساً في الأدب والاحترام من الكثير من شركائها ونظرائها، ومن أمثلة ذلك المبادرة الحضارية في بريطانيا بوضع ملصقات كبيرة على باصات النقل العام لتتجول لندن بعبارة محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وعلى آله) رسول النور والهداية.
إن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لن تهز مكانته المقدسة اللا متناهية ولا ذكره العطر في سجل البشرية تلك العبارات الفرنسية الشيطانية قيد أنملة، ولكنها تزلزل مشاعر المليار ونصف المليار مسلم على هذه الأرض، وإذا كان يبرر لمجتمع متحضر بالثقافة مثل فرنسا أن يكسر كل قيود الأدب والاحترام ومراعاة العلاقات الإنسانية، أفلا تسأل الحكومة الفرنسية نفسها عشرات المرات كيف بمجتمع إسلامي عملاق غارق بمشاكل الأمية والتخلف والتطرف أن يستغل بدوره لسكب مزيد من الزيت على نار الكراهية؟ وهل تقبل باريس حتى ردود الفعل العكسية وإن كانت في إطار المقاطعة والعقوبات الاقتصادية لفرض احترام مشاعر الناس؟ أين العقلانية الفرنسية والثقافة التي تطفح بحلو الكلام وأرقّ التعابير؟ أم أنه حب السلطة حيث يتساوى ساستها مع عبدة الكراسي السياسية عندنا حيث الوصول إليها يمر على جماجم الناس وجراحهم؟!