يلمس المتابع أن الحكومة الحالية، على الرغم من التحفُّظات والملاحظات التي تسجل عليها أو على بعض الوزراء فيها، فإنها تستحق المدح والإشادة الناقصة لقراراتها وأدائها، أما لماذا تستحق ذلك؟ ولم هي إشادة ناقصة؟ فهذا ما سنوضحه ونجيب عنه في هذه المقالة.
أما الإشادة بها فلكونها حكومة استطاعت -رغم تكوينها غير المتماسك والقليل خبرة- أن تتخذ قراراتٍ جريئةً مستحقّة من أجل تحريك عجلة البلد الاقتصادية والتنموية في البنية التحتية، خصوصاً جسر جابر و«الدائري الرابع» وامتداداتهما، وفي محطة توليد الكهرباء، وكذلك في فرض بعض الإصلاحات المالية الجزئية، مثل رفع أسعار الديزل والكيروسين، ووقف زيادات المرتبات الفوضوية، وفي تقرير خفض الميزانية، وفي محاولتها لمعالجة اختلال التركيبة السكانية، وأيضا تقديمها بعض الحلول العملية للمشكلة الإسكانية، وجرأتها في تقديم بعض القوانين المستحقة، مثل قانون جمع السلاح وإعلان خطوات متوازنة في تطبيقه، وقانون تعديل الشركات التجارية. ومتحمسة لقرارات جريئة مثل إغلاق المحال والمطاعم والمقاهي الساعة 12 ليلاً، رغم ما تردد عن تعطيل وكيل وزارة الداخلية قرار مجلس الوزراء، وقرارات أخرى مماثلة.
أما النقص والقصور فإنهما يتجليان في مسألتين غاية في الأهمية، أولاهما تراجع غير مبرر في الحريات العامة والتضييق على الحريات الفردية وحرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، وهو ما يضع هذه الحكومة أمام محك اختبار مدى احترامها للدستور وعدم السير بالاتجاه الذي فيه تجاوز عليه أو للقوانين الأساسية التي سنّها الرعيل الأول من المؤسسين، وتوالت مجالس الأمة الأولى في حمايتها، وهي التي تكرّس الحريات العامة.
وثانيتهما، ما يتردد عن اتساع دائرة الفساد، وربما التنفيع الموسَّع لمجاميع معينة من التجار أو الشخصيات ذات النفوذ، وهو -إن صح- ما يهز مصداقية الحكومة التي تعلن أنها ستكون في مواجهة الفساد.. وللأسف، إن ذلك يجري تحت نظر وسمع مجلس الأمة، الذي لم نره يحرّك ساكناً في هذا الخصوص تعمّداً، أو إهمالا أو تجاهلاً، وعدنا إلى حالة التنفيع الحكومي الانتقائي، وربما توجيه المشروعات العامة ومناقصات الدولة لفئات محدودة من الناس -للأسف الشديد- وصارت حال الحكومة مع وجود هيئة مكافحة الفساد مجرد شعار، ليس له مضمون، وكأن وجود الهيئة يمثل نهاية الفساد، حتى وإن سارت الحكومة بالخط المعاكس! والمحك هو استقلالية هذه الهيئة ورقابتها على السلطة التنفيذية ومحاسبة مسؤوليها قبل أي جهة أخرى، ولكن هذا في ظل توجّهات الحكومة تلك ستذهب أدراج الرياح. ونأمل أن تتدارك الحكومة ذلك الخلل حتى تصبح حكومة جديرة بالإشادة من دون «لكن».