للصوم عند المسيحيين مكانةٌ مهمةٌ، وسيبقى، باعتقادهم، حتى مجيء المسيح ثانيةً. وعلى الرغم من أنه لم يرد في أي من الأناجيل تاريخا محددا للصوم، إلا أن العادة جرت أن يبدأ بـ40 يوما السابقة على عيد الفصح، وهناك اختلاف بين الكنائس الشرقية والغربية في ما يتعلق بتحديد يوم العيد.
والصوم المسيحي عموما لا يتضمن تباهيا به أمام الناس، بل هو غالبا خفي، وليس فرصةً للتظاهر. وعلى الرغم من أن التقاليد الدينية تتطلب من المؤمن الامتناع عن تناول الطعام والشراب، أقلّه، اثنتي عشرة ساعة في اليوم، إلا أن هذه ليست قاعدة إذ يوجد من يصوم وقتاً أطول أو اقصر، وغالبا ما تمتنع الغالبية في صيامها فقط عن تناول أطعمة محددة كاللحوم والبيض.
انتهى يوم، الأحد 27 مارس، الصيام الغربي، الذي تتبعه غالبية مسيحيي الدول العربية، وبدأ الصيام الشرقي، الذي يتبعه مئات ملايين مسيحيي الكنائس الارثوذكسية، وبضعة ملايين من المسيحيين العرب والأرمن في منطقتنا، الذي سينتهي مع نهاية ابريل، بقيام المسيح. وخلال الفترة الماضية، وحتما خلال الفترة القادمة، سوف لن نسمع قرقعة ولا ضجة ولا بيانات بسجن أو تعزير كل مجاهر بالإفطار.
في هذا المقام كتبت الزميلة الأردنية أسيل الزبن الكلمات الرائعة التالية في هذا الموضوع، نوردها بتصرف كبير:
يمضي صيامهم دون أن نشعر، بل أراهن أن الكثيرين لا يعلمون أصلا بأن صيام إخواننا المسيحيين قد بدأ منذ عدة أيام. فلم يترجل أحد منهم من سيارته في منتصف الشارع ليشتم «أم وأخت» أحد السائقين، ويتبع الشتائم بعبارة «أنا صايم لا تخليني أفطر»، ولم يتذمر أحد منهم من الولائم التي يدعون إليها، وهم ممتنعون عن تناول ما لذ وطاب من اللحوم التي تغطي المناسف، لم يقرع أحدهم زميله الذي يتناول أمامه سندويشة برغر، ويطالبه باحترام مشاعره.
ولم «يحملونا جميلة» بسبب صيامهم ويتذرعوا به لتبرير تقصيرهم في أداء عملهم، أو الحضور للدوام متأخرين، إن حضروا اصلا، بحجة إرهاق الصيام.
أتعرفون لماذا؟ لأنهم يصومون لرغبتهم الشخصية في ذلك، ولأنهم راغبون فيه، فهو قرارهم ولا يحملون غيرهم تبعاته. كما أن حياءهم حقيقي لا تخدشه قطعة لحم يتناولها أحدهم أمامهم بشراهة. ولكن في الجانب الآخر، وعندما نصوم نحن، فإننا نفرض عليهم حصارا إجباريا. لأن احترام المشاعر عندنا ليس للإنسان، بل لعدد الفئة التي ينتمي إليها الإنسان، فإن كانوا اقلية فهذا ذنبهم، وعليهم تقبل «ثقل دم» الأغلبية. فالأكثرية تطالب باحترام مشاعرها وتضرب عرض الحائط بمشاعر «الأقلية»، وبعد كل ذلك يأتي من يطالبنا، والحقد يقطر من عينيه، بعد تهنئة المسيحيين بأعيادهم.
وهنا نقول لفئة، عيد فصح مجيدا، وللأخرى صياما مقبولا!