في أحدث الإحصاءات الصادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية نقل تقرير “الشال” مجموعة من الأرقام والنسب المهمة بشأن التركيبة السكانية في دولة الكويت، والتي تعكس جملة من الاختلالات الاستراتيجية المستمرة على مدى عقود من الزمن، فقد وصل إجمالي عدد السكان في الكويت مع نهاية عام 2015 إلى 4.239 ملايين نسمة، ويشكل الكويتيون ما نسبته 30% فقط من هذا العدد، أما ما يخص نسبة قوة العمل فتتراجع هذه النسبة إلى معدل 14% فقط، إذ يبلغ عدد العاملين الكويتيين 436 ألفاً مقابل 2.5 مليون من العمالة الوافدة، الأمر الذي يعني أن الكويتيين هم أقلية في بلدهم وليسوا هم من يبنون هذا البلد!
هذه ليست دعوة لقطع أرزاق الناس، فالكويت تحتضن أكثر من 100 جنسية حول العالم، والعمل والإقامة فيها مؤشر على السمعة الطيبة والاستقرار والأمان في هذا البلد، ولعل هذه التركيبة التي ظهرت مع الطفرة النفطية وبدايات الاستقلال السياسي، من الجنسيات العربية والآسيوية تحديداً، قد ساهمت في التنمية التي أوصلت الكويت إلى العالمية، كما أن متطلبات العولمة وتعقيداتها لا تسمح بأن نكون دولة منعزلة عن العالم الخارجي أو نغلق حدودنا في وجه الآخرين.
مع فجر التحرير أعلنت الحكومة استراتيجية إعادة التوازن السكاني وتغيير معادلتها إلى 60% مقابل 40% لمصلحة المواطنين الكويتيين خلال عقد من الزمن، ولكن بعد نحو ثلاثة عقود تبين أن هذا الحلم لم يكن سوى وهم يضاف إلى الأوهام التي سطرتها عقلية التخلف وسياسة “مالنا خلق” وفقدان الشعور بالمسؤولية تجاه بناء دولة لها هويتها وأهدافها.
المشكلة الحقيقية لا تكمن في هذه النسب المتناقضة رغم أنها من الاختلالات الجسيمة ولكن في المنظور المستقبلي، فالغالبية العظمى من العمالة الأجنبية هامشية ولا تتمتع بقيمة مضافة حقيقية إلى سوق العمل أو آفاق التنمية بكل أبعادها العمرانية والخدمية والثقافية والاقتصادية، إضافة إلى ذلك فإن “الاتكالية” على الأجانب، وكما هو الواقع الآن يقتل روح الطموح في تهيئة أجيالنا القادمة في التخصصات المهنية والحرفية التي تعتبر اليوم عصب التنمية والإنتاج والإبداع، كما أن تكديس الكويتيين في الوظائف الإدارية بكل اختصاصاتهم سيصطدم بمفاجآت من الوزن الثقيل عندما نواجه عجزاً حقيقياً في الاستيعاب الإداري لجيش قادم من الشباب تصل قوتها الرقمية إلى مليون مواطن تقريبا خلال النصف الثاني من هذا القرن!
مع الأسف الشديد فإن هذا الواقع الآسن لن يتغير، ومثل هذه الإحصاءات الصادرة من جهات حكومية تتمتع بالدقة والمصداقية لا تتعدى صفحات تقاريرها، ويمر عليها كبار المسؤولين مرور الكرام أو يتفاعلون معها في حينها على أضعف الإيمان بعبارات الدهشة ومقولة “يا معود” وسرعان ما تنسى دون تحريك أي ساكن!
والأدهى والأمر من كل ذلك أن الكثير من الناس قد شغلتهم المسرحيات السياسية أو دفعوا بقصد أو بدون قصد إلى معارك جانبية، ومن هو الأصيل أو اللاحق، وممن تسحب الجنسية، ومن ولاؤه للخارج، والتناحر على المذهبية والقبلية والعرقية، وكأن هذه الأقلية الكويتية لا تكفينا ونستلذ بتقسيمها إلى أقليات إضافية، مع أن ويلات هذه الاختلالات وتبعاتها ستشمل الجميع دونما استثناء!