هل يحق للسلطة منع الناس والمؤسسات من اللجوء إلى القضاء؟ وبالتالي ماذا لو قامت السلطة مثلاً بسحب جنسية مواطن، لأسباب سياسية، أو غير سياسية، ثم منعته من اللجوء إلى القضاء، “حسب القانون”، بحجة أن القرار سيادي؟ مثال آخر: ماذا لو قامت السلطة “حسب القانون” بحل جمعية نفع عام ومنعت المتضررين من اللجوء إلى القضاء بحجة أن القرار سيادي؟
حكمان مهمان صدرا مؤخراً في القضيتين، وهما سحب الجنسية وإغلاق جمعيات النفع العام، يؤكدان أن الحق في التقاضي لا مساومة عليه وأن حرمان أي إنسان من الوصول إلى المحكمة هو تعسف يتناقض مع الضمانات التي كفلها الدستور للبشر لكي يصلوا إلى المحكمة.
كانت هناك أربع قضايا ممنوع على المحكمة الإدارية النظر فيها، وهي: الجنسية، والإبعاد عن البلاد، ودور العبادة، وامتيازات الصحف، استناداً إلى أنها قضايا سيادية، ثم اتضح أنها ليست سيادية حين تم سحب امتيازات الصحف وتحويلها إلى قانون المطبوعات الذي يسمح بالتقاضي، مما يعني أن القضايا إدارية لا سيادية.
ومن المؤكد أن هناك حاجة إلى تنقيح كل القوانين التي تمنع الناس من حق أصيل لهم، وهو اللجوء إلى القضاء في حالة تعدي السلطة عليهم استناداً إلى “سيادتها”، بينما سيادتها في عالم آخر.
ويأتي حكم محكمة التمييز هنا ليؤكد أن قضية سحب الجنسية قرار إداري لابد من مراقبته من القضاء، وإلا فإنه إجراء متعسف. وفي ذات السياق جاء الحكم في مسألة حل جمعيات النفع العام.
أثناء مشاركتي أبناءنا الطلبة مؤتمرَهم السنوي في أميركا في نوفمبر الماضي، ورداً على سؤال حول سحب الجنسيات، كانت مداخلتي بأنه من حيث المبدأ فإن سحب الجنسية من مواطن أمر غير مقبول. وهو قد يجوز في حالتي التزوير أو الازدواجية، وحتى في هاتين الحالتين لابد من إخضاع الأمر لرقابة القضاء، الذي لا يقبل حرمان أي من البشر من الوصول إليه. الشق السيادي هنا ربما يكمن في منح الجنسية، لا في سحبها، فالدولة هي المختصة بمنح الجنسية حسب رغبتها، ورغبتها تلك من المفترض أن تُترجَم بقوانين.
كان ذلك ما أكدته محكمة التمييز مؤخراً، وفي هذه الأحكام تأكيد للمنطق السليم، وتعزيز لمبدأ حق التقاضي، ولقيم الدستور، وكرامة الإنسان، كما أنها عودة إلى شيء من العقل في حالة الضياع العارمة، وهو الدور الذي نتوخاه في القضاء عندما يفشل السياسيون.