هل نبطر وننكر ما نحن فيه من نعمة؟ أقصد نحن الكتّاب. سأكون ظالماً ظلاماً ظلوماً لو ادعيت يوماً أن الحكومة خذلتني وأصلحت ولم تترك لي فساداً أشير إليه بيدي. ماذا نريد، أنا والزملاء، أكثر من هذا الفساد لنتحدث عنه؟ كل شيء متوفر، والعرض أكثر من الطلب.
لله الحمد، لن تجد هنا مشروعاً يخلو من السرقة، ولا وزارة تخلو من الفساد، ولا مؤسسة تخلو من جمع الغنائم، ولا هيئة تخلو من الهبش، ولا إدارة تخلو من غمزة العين، ولا زاوية من زوايا البلد تخلو من المحاباة والمهادنة والهوبا هوبا.
كل شيء عال العال. أغنامنا السمينة ترعاها الذئاب الجائعة، وتحميها الضباع المتربصة، ونحن نعد النجوم، ونسهر على لحن الربابة، ياما انت كريم يارب. واللصوص يلعبون معنا “عظيم سرى ولاح” (لعبة نجدية يمارسها الأطفال، إذ يرمي أحدهم عظماً في عتمة الليل، وينطلق الآخرون للبحث عنه، ومن يجده أولاً فهو الفائز)، ولصوصنا الأفاضل يلعبون معنا بهدف تسليتنا، ويرمون لنا عظماً طائفياً في عتمة الليل، وننطلق نحن للبحث عنه، بأقصى سرعاتنا، فينقضون هم على الخزائن، ويفرغونها من محتواها قبل أن نجد العظم. وإن وجدناه، صفقوا لنا ورموا عظماً آخر، نتسابق بحماسة، مرة أخرى، للعثور عليه قبل غيرنا.
القاشية معدن، والسلم نايلو في نايلو، وأنا لست ممن يبطر على النعمة، لكن أمراً واحداً فقط لم أفهمه، هو: لماذا يرتفع صوت الناس بالبكاء عندما يفقدون أغنامهم، رغم علمهم أنها تسرح ما بين الذئاب والضباع؟ هذه النقطة الوحيدة التي عكرت مزاجي ولم أفهمها. أما ما عدا ذلك فالموسم ربيع، والنبات يغطي الركب. وعظيم سرى ولاح: “العريفي والقزويني سيدخلان إلى البلاد قريباً”.