يدور الكلام حول إمكانية حل مجلس الأمة الحالي، أو أن هناك ضغوطاً سياسية في هذا الاتجاه، علماً أن مثل هذه الضغوط ليست من جماعات المعارضة التي ليس من مصلحتها حل البرلمان في هذا الوقت، إما لعدم حسم موضوع المشاركة في الانتخابات إلى الآن أو لعدم جاهزيتها لذلك بعد.
أسباب ومبررات حل المجلس تكمن في ورطة الحكومة للخروج من مأزق التحكّم في العجز المالي عبر رفع غطاء الدعم عن بعض السلع والخدمات من جهة، أو فرض رسوم مالية وربما الضرائب على المواطنين، وهو ما يتطلب موافقة البرلمان.
الحكومة استثمرت سياسياً وإعلامياً في المجلس الحالي باعتباره تجربة ناجحة لنظام الصوت الواحد، وكونه برلماناً طيّعاً ومهادناً، مرّرت من خلاله مشاريع قوانينها، وفلتت من جميع الاستجوابات الصورية وحتى غير الصورية بكل سهولة وأريحية، إلا أن محاولة تمرير حزمة التقشف المالي على ظهر هذا المجلس قد يفقد النواب الحاليين ما تبقى من ماء الوجه، ويجعلهم في موقف محرج أمام ناخبيهم في الانتخابات القادمة التي يفترض أن تجرى بعد سنة وثلاثة شهور، إذ لم يتبق أي شيء لم تحلبه الحكومة من هذا البرلمان الضعيف.
لعل الكثير من النواب الحاليين لا يقبل أن يتحول إلى مجرد ألعوبة مكشوفة بيد الحكومة وقوى النفوذ السياسي، فالجانب التشريعي يمكن أن يبرر بأنه إنجاز، والجانب الرقابي قد يخضع للجدل بأن البرلمانات القوية لم تنجح مراراً في الإطاحة بالحكومة أو أحد وزرائها، ولكن تمرير الرسوم والضرائب، وهي من القضايا الشعبوية المهمة وذات التأثير المباشر في حياة الناس، مسألة لا يمكن التبرير لها بأي حال من الأحوال.
حل المجلس في هذه الأجواء قد ينقذ الكثير من النواب الحاليين، ويمكّن بعضهم من المنافسة في الانتخابات القادمة، خصوصا أمام النواب السابقين المخضرمين والأقوياء سياسياً، وفي الوقت نفسه الحل الدستوري قد يراد منه إعطاء قيمة لهذا المجلس ويجعله في مصاف المجالس السابقة ذات الشعبية الواسعة، والتي تم حلها في مرات متعددة، وبذلك يذوب محور النظام الانتخابي القائم على الصوت الواحد في زوبعة سياسية يختلط فيها الحابل بالنابل.
حل مجلس الأمة في هذا التوقيت وقبيل انتهاء موعده الدستوري والدعوة إلى انتخابات جديدة مبكرة تكون فيها التيارات السياسية، وخاصة قوى المعارضة، مفككة ومترددة، قد يضمن تشكيلة قريبة من المجلس الحالي، حتى في حال تغيير عدد كبير من نوابه، لا سيما أن نظام الصوت الواحد قد يساهم في اختراق شخصيات جديدة يمكن احتواؤها بشكل سريع، وهذا النتاج بالتأكيد سوف يضمن بقاء الرموز السياسية الحالية على رأس السلطتين ويسهّل إقرار المراسيم التي قد تصدر خلال فترة الحل في المجلس القادم، فيتم تحصينها إلى ما شاء الله، فالحكومة لا أصدقاء ولا خصوم دائمين لها، وتستفيد من التناقضات السياسية بين القوى والتيارات التي أصبحت ضعيفة ومتنافرة أصلاً، ولهذا كنا ننصح مع بداية هذا المجلس أن تلتئم القوى السياسية، وتنسق فيما بينها وبين العديد من الشخصيات المستقلة ذات الثقل الشعبي والمصداقية السياسية، وتعيد الأجندة الوطنية إلى السطح استعداداً لأي انتخابات مبكرة كانت أو حتى في موعدها الدستوري، ولكن يبدو أن معظم هذه التيارات ما زالت في سباتها العميق!