أكثر الندوات فائدة، على مر الحياة البرلمانية في الكويت، هي الندوة التي دعا إليها النائب الحمدان، وتتحدث عن الاختلاط في الجامعة، وأضراره وأهواله. وفيها تزاحمَ غالبية النواب المجهولين. أقصد الذين لا نعرفهم. أقولها صادقاً لا مازحاً: “هذه هي أكثر الندوات فائدة منذ بدء الحياة البرلمانية في الكويت، بالنسبة إلى هؤلاء الجنود المجهولين الحلوين”. ليش؟ لأنها تنشر صور الأعضاء وأسماءهم، وبهذا تساهم الندوة بتعريفنا بنوابنا الفضلاء، بعد أن كانوا كالحروف التي تُكتب ولا تُنطق، أو تحضر ولا تنطق.
عن نفسي لا أعرف من نواب هذا البرلمان اللذيذ إلا رئيسهم، ونواب خلية حزب الله، أو بعضهم، والنواب الذين كانوا أعضاء في المجالس السابقة، أمثال دميثير وعسكر والحويلة، وآخرين نعدهم على أصبع اليد المجردة.
وكم من موقفٍ محرج جرى للناس بسبب عدم معرفتهم بالنواب، أشكالاً وأسماءً. فهذا شاب من شبان الحراك، في مقهى، يقطعهم بلسانه إرباً إرباً، ويقول عنهم ما يلين له وجه الصوان، قبل أن ينبهه جليسه أنهم نواب. وهذه سيدة تدخل مجلس الأمة لتشتكي وزارة الصحة، فتسأل رجلاً شاهدته في الممر: أين مكاتب النواب؟ فيجيب: “تفضلي، بماذا تأمرينني؟”، فاستفسرت: “أنت سكرتير نائب؟”، فأجاب: “لا، أنا نائب”، فتبتسم لمزحته، وتشجعه: “لا شيء كبير على الله يا ابني، ومن يعلم فقد تصبح نائباً ذات يوم”، فيقسم لها أنه نائب، فتبلع ريقها خجلاً، وتعتذر، وتستأذن، وتغادر.
ولو كنت مكان أحد هؤلاء الجنود المجهولين العظماء، لاستخدمت صور الدعوة للندوة في حملتي الانتخابية، فأنشر لوحاتي في الشوارع، وأكتب تحت صورة الندوة التاريخية: “أخوكم هو الثالث في الصف الثاني من اليسار في الصورة”، أو “الرابع في الصف الثالث من اليمين، ولا فخر”. ويكتب أعضاء حملتي الانتخابية لوحات دعم: “نشكر النائب فلان الفلاني، الخامس في الصف الأول”، كما يفعل الناس في صورهم التذكارية، والتعريف بأصدقاء الطفولة في الصورة؛ الثالث من اليمين وقوفاً.
بارك الله في نوابنا العظماء، وفي مسعاهم، وعسى الله أن يوفقهم فيصبحوا نواباً، إنه على كل شيء قدير.