لديّ انطباع عام بأن الليبرالي العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، لا يمكن أن يتخلص من أمراض مجتمعه، والعُقد التي نشأ عليها، وأن شعار الليبرالية الذي يرفعه عبارة عن قشرة خفيفة يزين بها تلك الأمراض أو يخفيها، ليوهم نفسه وبعض السُّذَّج أنه قد تجاوزها إلى أفق أرحب، بينما هو غارق فيها حتى شحمة أذنيه.
تتوالى الأحداث والمواقف ويترسّخ لديّ ذلك الانطباع أكثر، فلم يستطع كثير من الليبراليين إخفاء تلك الأمراض والعُقد التي تتعارض مع الشعارات الليبرالية المرفوعة، فصار من الطبيعي أن نشاهد ليبراليا يدافع عن الاستبداد ونزعة التسلط، ويبرر للانقلابات العسكرية، ويضفي الشرعية على سلب إرادة الشعوب، كما صار مألوفا مشاهدة ليبرالي يتبنى أجندة طائفية، ويستعمل ذات المبررات التي يستعملها أعتى الطائفيين، من دون أن يشعر بأنه يعاني من ازدواجية في المعايير، أو اضطراب في المفاهيم.
يُعرف المثقف الحقيقي، وصاحب الأفكار الإصلاحية بقدرته على الثبات والاتزان رغم اضطراب الواقع، واشتداد الأزمات، لكن هذا ما لم يحصل لليبرالي الخليجي، خصوصا من ينتمي منهم إلى أقليات طائفية، فسرعان ما كشف عن قناعه الطائفي ليثبت أنه جزء من المشكلة، وليس جزءا من الحل، وأن تخلف المجتمع ليس بسبب الناس الذين لا يحملون ايديولوجيات أو تقدم رؤى إصلاحية، وإنما بسبب أولئك الذي يتوهمون أنهم يحملون وعيا متقدما على المجتمع بشعارات مثل الليبرالية، بينما في حقيقة الأمر هم أحد أسباب التخلف.
الشحن الطائفي الذي تعيشه المنطقة كشف كثيراً من الليبراليين الطائفيين، الذين إذا أدانوا الإرهاب فإنهم يقصدون «داعش» و«القاعدة» فقط، بينما لا تجد لهم أي استنكار لجرائم ميليشيات، مثل الحشد الشعبي أو عصائب أهل الحق أو جيش المهدي أو كتائب أبو الفضل العباس وغيرها، وإذا هاجموا الإسلام السياسي فإنهم يقصدون «الإخوان المسلمين» أو «السلفيين»، لكنهم لا يأتون بذكر لحزب الدعوة أو حزب الله أو التيار الصدري، رغم أن لديهم أجنحة عسكرية تحمل أجندة طائفية صريحة، وبذلك يعود الطائفي الليبرالي إلى نزعته الطائفية المتجذرة، والتي لم يستطع أن يسترها بشعارات الحرية والدولة المدنية، ليصدق عليه قول الشاعر:
كل امرئ صائرٌ يوما لشيمته
وإن تخلَّق أخلاقاً إلى حيـــنِ
يمكنني باختصار القول إنه ربما يكون البحث عن «غراب أبيض» أسهل بكثير من البحث عن ليبرالي حقيقي في الخليج!