د. شيخة الجاسم هي المسؤول الأول والأخير عن مجلس الصوت الواحد، الذي بدوره لم يتردد عدد من نوابه المشايخ دعاة التنوير وأهل الوجوه السمحة، في مطالبة وزير التعليم العالي بعزلها من الجامعة وعقابها على جريمتها الكبرى بلقائها التلفزيوني الذي دعت فيه إلى عدم الخلط في مجال النفاذ بين القرآن الكريم كرسالة دينية روحية والدستور كأعلى قانون في الدولة، وإن كان ذلك الطرح نظرياً وليس مرتبطاً بالواقع المعيش، وهي “شيخة” المسؤولة عن نكسات الربيع العربي، والتي حركت العسكر للانقلاب على ثوراته في أكثر من قطر عربي، وهي الوكيل المعتمد لبشار الأسد حين بطش بالشعب السوري، وهي ومن معها من المتعاطفين العلمانيين يقفون اليوم مع الاستبداد والفساد في شتى أقطار النظام العربي!
شيخة الجاسم أيضاً هي التي سحبت الجناسي بالكويت، وشرعت القوانين التي حاكمت عدداً من الشباب ونفتهم للخارج، ولربما تكون هي المتسببة الكبرى وراء تدهور أسعار النفط والزج بدول المنطقة في خانة الإعسار… لكم أن تنبشوا عن كل الشرور في صندوق “بندورا” الجاسم، لتعرفوا أنها السبب الأول والأخير في دمار المنطقة القادم.
شعرت بالغثيان حين طالعت ردود الفعل بوسائل التواصل الاجتماعي على لقاء شيخة الجاسم التلفزيوني، لم تكن شيخة مجرد مواطنة تعبر عن رأيها في الخلط الكبير بين الدين والدولة، بين السياسة والعقيدة، وبين حرية الفرد في التعبير وسطوة غياب الوعي الإنساني واستغلال المشاعر الدينية من رجال السياسة ومن كثير من الباحثين عن مكان عال للبروز والتكسب الاجتماعيين.
الذين ذرفوا الدموع قبل فترة على مصادرة حرية الرأي بعد الأحكام التي صدرت ضد النائب السابق مسلم البراك وغيره وقفوا بشماتة ضد شيخة، واصطفوا مع دعاة الدولة الدينية لقمع شيخة ومن على شاكلتها، فحريات التعبير والنقد يمكن تفصيلها وتشذيبها حسب من يدعو لها و”المتهم” بها، فحرية التعبير وإبداء الرأي ممكنة وعظيمة طالما هي معنا وتبصم مع آرائنا، وهي كفر وزندقة واصطفاف مع “الخونة” حين نختلف معها، بهذا الفكر يقف اليوم في خندق واحد دعاة الحرية “المفصلة” مع سجاني الرأي لا فرق ولا اختلاف في مجتمعات تمقت التفرد وتسحق الرأي المختلف، وكأنه يمكن للحرية ان تتجزأ وتفصل حسب الظروف والمقاسات المناسبة.
عدنا للنبش في صدور الناس، ولمحاكمات الضمير وتحريم التفكير وترسيخ فتاوى التكفير، لنتذكر عندها أن أزمتنا ليس اسمها النظام الحاكم فقط، بل أزمة غياب وعي إنساني بمجتمعاتنا، وهي أزمة عصبية فكرية متجذرة في عقول الكثيرين بثقافتهم البائسة.