جميع دعوات المصالحة، وفتح قنوات الحوار لتبريد “ما في الصدور” ذهبت أدراج الرياح، وسيذهب غيرها إلى المصير نفسه؛ لأن أوراق اللعبة السياسية ليست بيد من يحاولون تغيير ملامح المشهد السياسي، وهذا مبتدأ الأمر ومنتهاه؛ لأن التفاصيل مثل هوية من يتحرك ودوافعه ليست بذات الأهمية في عالم السياسة لكثرة التقلب وتبديل الجلود فيه.
إن كلمة المصالحة بعد المقاطعة الأولى للانتخابات وإلى هذه اللحظة تستثير كل الطاقم المستفيد مما نجم عنها، وأولهم الأخ العزيز علي الراشد، والوضع نفسه من “الاستثارة ومعها الاستنفار” يتكرر في المجلس الحالي، لأن عددا لا يستهان به من أعضائه يعلمون أن كرسي زوار مجلس الأمة هو الخيار الوحيد المتاح لوصولهم إلى داخل قاعة عبدالله السالم، ألا تلاحظون معي أن سيرة “المقاطعين” ومن يستهدفون أمن مجلس الأمة واستقراره لم ينقطع ذكرهم، وكأن الزمان متوقف عند زمان “علي الراشد”؟.
إذاً، وعلى أساس أن من يدعون للمصالحة وهم أنفسهم من يدعون للمشاركة، لا يملكون شيئا من أوراق اللعبة السياسية غير الضغط على عضلة اللسان، أود أن أسال: ما فائدة المصالحة بين القوى السياسية (الانتخابية) والفلتر الانتخابي غير مصمم للعمل الجماعي؟ إذا كان لا بد من ذلك فيفترض أن يتم بعد ظهور نتائج مباريات “ملعب الصابون” لا قبلها، السؤال التالي: ما الفائدة من المصالحة إذا كانت “العقدة” محصورة في المشاركة، وهي عقدة تم تجاوزها من قبل الانتهازيين، ولم يتبق غير فصيل سياسي وثلاثة مقاطعين أشداء؟
هل تعلمون ما يثير الاستغراب؟ إنها مطالبة من يدعون اليوم للمشاركة في الانتخابات القادمة بعد أن قدموا المثال الصلب على أن المجلس القادم لن يختلف عن المجلس الذي “عافوه بالاستقالة”، بعد أن أحكمت الحكومة قبضتها على جوهر البرلمان وهو الرقابة، ليس بسبب المقاطعة كما يروج الأفاكون، ولكن للجهود الأسطورية التي بذرت في مجلس 2009م وأثمرت في مجلس السوابق الدستورية.
ربما يظن البعض أن العلاج السحري لحالة الركود السياسي يكمن في المشاركة فقط، وربما يظن آخرون أن العودة إلى النظام الانتخابي السابق ستخفف من حدة الاحتقان، في اعتقادي أن جذور الأزمة أعمق مما نتخيل ولا يجدي معها صوت أو عشرة أصوات، لأنها باختصار حالة من التفتت في البنى المجتمعية، يقابلها حالة من الاصطفاف الهستيري الذي يتغذى من المنتج المحلي، ويتضخم تبعا لتأثيرات المنطقة الطائفية تحديدا، من هنا استعملت عبارة تبريد “ما في الصدور” أول المقال لأن ما يصيبها لا يشفى سريعاً وقد يرحل إلى صدور أخرى.
إن أخطر ما يمكن أن يتوهم فيه من استقرت لهم قواعد اللعبة الحالية المؤقتة هو أن الركود يعني الاستقرار والصمت رضا والتسليم محبة، هذه كلها ترهات، تلمسوا حرارة الأحداث المحيطة بنا وقيسوا حالة القبول الشعبي للخطاب المتشدد والعنصري، وستعرفون أن المصالحة والمشاركة ونظام التصويت ليست سوى حبة أسبرين سنعطيها لشخص مصاب بمرض فتاك.
الفقرة الأخيرة:
الحسابات الضيقة قد توحي للبعض أن المشاركة الموسعة قد تضمن وصول رئيس جديد للبرلمان القادم.