كمواطنين عرب ومسلمين، جرفتنا الأحداث الدامية في جسد الأمة، وأصبحنا نزداد ألمًا ولوعةً وحزنًا وأسىً وقسوة! بالتأكيد، القسوة أمرٌ كريه مقيت، لكنه أصبح مفروضًا على مجتمعات تعيش نزف الدماء والنحر والقتل والطائفية والفساد والظلم والجور، وكل ذلك، مع شديد الأسف، باسم الدين والجنان والأمة والحق والتوحيد والعدالة.
على أن صورة من تلك العدالة، أو على الأقل، الشعور بالإنسانية تجاه معنى العدالة، حين يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني، تكاد تكون متوارية تمامًا! هي متوارية من الإعلام العربي والإسلامي وكذلك غائبة عن الساحات والندوات وحاضرة ربما بين أيدي المتناحرين، ومن بينهم دون شك، مئات الفلسطينيين الذين تركوا شرف الدفاع المقدس عن وطنهم المحتل تحت نير الصهاينة، وأصبحوا يفجرون ويفتكون بالناس في أكثر من مكان، وخصوصًا… العراق.
ولأن يوم المرأة العالمي الذي يصادف الثامن من مارس/ آذار من كل عام والذي سيأتي يوم الثلثاء المقبل هو في أساس فكرته إبراز معاناة المرأة والظلم الواقع عليها، فلا أقل من أن نلتفت إلى زاوية موجعة عن أوضاع المرأة الفلسطينية في السجون الإسرائيلية، وكم هي «قاتلة» قرارات الصهاينة بحرمان الأسيرات من معانقة فلذات أكبادهن أوقات الزيارة القصيرة الصعبة السريعة في إيقاعها، فالتقارير الحقوقية تشير إلى أن إدارة سجن «الرملة» و «تلموند» تضغط على الأسيرات في وقت زيارة ذويهن إلى درجة حرمانهن من معانقة أطفالهن أو أزواجهن أو آبائهن، ويصل الأمر إلى شدته حين يتم حرمان الأسيرات من رؤية والديهن أو أسرهن.
من بين أشد القصص إيلامًا، قصة الطفلة الفلسطينية التي نقل الصحافي الفلسطيني بلال غيث قصتها، فالأسيرة يسرى عبده من مدينة نابلس، تعرضت حال أسرها للإهانات والاستفزاز من جانب المجندات الصهاينة في معتقل «حوارا»… هناك، وضعوها في غرفة مليئة بالحشرات والروائح الكريهة بلا دورة مياه، ومنعوا عنها الماء والطعام ليومين، حتى أنها حين طلبت بعض الطعام والماء، والذهاب إلى دورة المياه، حرموها من ذلك باعتباره «ممنوعًا».
تستذكر الأسيرة اللحظات التي فقدت فيها الشعور بأنها بشر من لحم ودم: «فتشوني عاريةً بطريقة مهينة قبل نقلي إلى سجن الرملة للنساء، وفي المحكمة العسكرية صدر الحكم بسجني 6 أشهر إداريًا، ثم تم إلغاء ذلك الحكم وتم تحويلي إلى معتقل «بيتاح تكفا» للبدء في التحقيق من جديد، وكنت أقضي بين 12 إلى 14 ساعة في غرف التحقيق على أيدي محققين في غاية القذارة، بالغ متعتهم أن يهينوا الإنسان الفلسطيني».
تصف بعض السجينات الفلسطينيات أوضاع السجون الصهيونية، فهي عبارة عن أقبية للتحقيق وزنازين لونها رمادي خشنة الجدران، ومنها تفيض مياه المجاري، وفي هذه البيئة التي لا تصلح حتى للحيوان أعزكم الله، لا تجد السجينات إلا بطانيات ومخدات قذرة مليئة بالحشرات والأوساخ، ولأن الزنزانة محكمة الغلق، تتعرض السجينات للاختناق وتزداد الأمور سوءًا حين يتم استخدم سجانين ذكور لا يتورعن عن التحرش الجنسي وإهانة السجينات، وإن لم يكن إلا الصراخ والتخويف المهول لكان كفى على امرأة أو فتاة، فأولئك بالطبع لا يعرفون معنى الرجولة ولا الإنسانية.
ولعل الكثير من الزملاء الإعلاميين والحقوقيين يدعمون جهود نادي الأسير الفلسطيني في نقل معاناة الأسرى – من الذكور والإناث – في السجون الصهيونية، إلا أن الإعلام العربي والإسلامي تناسى على ما يبدو أن في فلسطين بشراً من لحم ودم، ولا غرابة في ذلك، مادامت الأمة واقعة تحت جحيم الانهيار في كل شيء… وبدلًا من صورة الأسير أو الأسيرة من شعب فلسطين، فهناك على طول الوطن العربي والإسلامي وعرضه، سجون ومعتقلات يتلذذ فيها سجانون بتعذيب بني جلدتهم… وكل ذلك تحت وابل من شعارات القيم والإنسانية والدين والعروبة والأخلاق والإخلاص.