يذهب المصوتون لصناديق الانتخابات عادة لإنجاح مرشحين معينين، لكن في انتخابات إيران الأخيرة وعلى الرغم من مقاطعة شرائح من الإيرانيين الانتخابات، إلا أن بعضهم ذهب للتصويت لمنع أسماء معينة من الفوز، أو كما يعبر بعض الشباب الإيرانيين بأنها عملية اختيار بين السيئ والأسوأ. حتى الأحوازيون اختبأوا في بيوتهم بعيدا عن صناديق الاقتراع التي خلت من المشاركين. هذه المقاطعة جعلت سماسرة النظام يذهبون إلى القرى والمدن الأحوازية لشراء الأصوات التي راوحت أسعارها بين 300 و800 ألف تومان، كما وظفت عربًا يعرفون أبناء الأحياء المعنية، بسيارات وميكروفونات لدعوة الناس بالإسم للمشاركة.
إذًا فقد تم استكمال مسرحية انتخابات مجلس الشورى وانتخابات مجلس الخبراء، المعني بتحديد خليفة المرشد الأعلى في الدولة الإيرانية. وجمع الانتخابات هو تكتيك من المرشد الأعلى لتحقيق عدد من الأهداف، ومن بينها رفع نسبة المشاركة الانتخابية التي كانت تتسم بتدنيها قياسا على التجربة الانتخابية السابقة. ركزت الصحافة الدولية على العاصمة طهران باستعراض فوز كاسح للإصلاحيين، هي طهران التي عرفت إعلاميا بأنها قلعة الإصلاحيين مقارنة بمدن إيران الأخرى. ومع ذلك قاطع كثير منهم الانتخابات، ما يشير إلى شك الإيرانيين لاسيما الشباب منهم في أن أصواتهم ستغير شيئا من الواقع. لقد استعرضت الصحافة فوز الإصلاحيين، لكن على من فاز الإصلاحيون؟ هل كان على المحافظين؟ المفارقة أن لائحة الأمل التي تحتوي على إصلاحيين كما يسمونها هي في حقيقة الأمر مليئة بمرشحين متطرفين، أسماء منهم عرفوا بآرائهم المتطرفة منها المطالبة بإعدامات لناشطين وإصلاحيين. قائمة الإصلاحيين كانت كحفلة تنكرية بأقنعة بديلة بامتياز.
ولا ننسى أن المرشح للشورى لا بد أن تتم الموافقة عليه سلفا من قبل مجلس صيانة الدستور كمشرف. وعندما حدث وارتكب مجلس صيانة الدستور خطأ في عهد خاتمي وسمح للإصلاحيين أو المعتدلين أو البراغماتيين بالسيطرة على قائمة الشورى، طوي قيدهم لاحقا من قبل قوات الحرس الثوري، وأوقفت صحفهم، وسجن كثير منهم. وذلك لأن أفكارهم لم تتماش مع الحرس الثوري وأجندة المرشد الأعلى. وتم طرد الآخرين كليا بعد الاحتجاجات على الانتخابات الرئاسية عام 2009، ووجد كثير منهم أنفسهم في السجون وواجهوا مختلف القيود حتى الآن. وعلى سبيل المثال، وسائل الإعلام الإيرانية ما زالت ممنوعة من تغطية بيانات وصور الإصلاحي السابق محمد خاتمي. النتيجة أنه ليس ثمة إصلاحات ولا إصلاحيون ولا اعتدال ولا معتدلون فعليون في قوائم المرشحين. ويبقى الأمر كله للمرشد الأعلى صاحب الحل والعقد سياسيا واقتصاديا، فالرئيس مجرد أداة تنفذ ما يقرره المرشد الأعلى، بما في ذلك الاتفاق النووي الإيراني حيث رسمت فكرة الصفقة مع الغرب قبل عهد الرئيس روحاني بهدف اقتصادي، وبما في ذلك الميزانية العسكرية، والتدخل في سورية وغيرها من القرارات.
ربما كان العالم يتطلع لانتخابات إيران هذه المرة بشكل مختلف لأنها الأولى بعد الاتفاق النووي، على أمل أن الاتفاق قد يحدث تأثيرا في شكل السياسة الإيرانية. ففي النهاية، ما يهم العالم خارج إيران هو تأثير ما يجري داخلها في السياسة الخارجية وفي دعم الإرهاب وفي التطرف والتشدد والطائفية وزعزعة المنطقة. إلا أن كل هذه الأمور في حقيقة الأمر لا تتعلق بنسبة كبيرة منها بشورى إيران أو رئاسة جمهوريته أو حكومته، فمسرحية الانتخابات الإيرانية ليست مستغربة لمن لديه أدنى معرفة بحقيقة السلطة في إيران.