لا شك أن المجموعة البشرية الوحيدة في العالم، التي لا يزال رجال الدين فيها يمطرون شعوبهم بسيل مستمر من الفتاوى الدينية منذ أكثر من 1400 سنة، في كل أمر، وخاصة ما تعلق بالمرأة، سواء ما تعلق بمظهرها وطريقة مشيتها أو جواز خروجها من البيت وسفرها، إن بمحرم أم بغيره، أو بطريقة ركوبها للدواب وصولا لحكم قيادتها للسيارة، دع عنك الباخرة والقطار، وأرثها، وسن زواجها الشرعي وحقها في تزويج نفسها، وعدتها، واختلاطها بالرجال، وحكم انكشافها على النساء، وشكل حجابها أو نقابها، وحتى في كيفية قضاء حاجتها.
ومع كل هذا السيل من البلاوي، فإن تلك الفتاوى، بالرغم من حجمها المخيف، لم يتطرق اصحابها يوما للخطر الذي تمثله المرأة غير المتعلمة على مجتمعها، ولا لخطورة تزويج الأطفال، ولا لمشاكل جهل المرأة بحقوقها الإنسانية، ولا بتأثيرها المرأة التي لا كرامة لها على ابنائها، ولا حتى فتوى واحدة تجبر الرجل على التقيد بإلزامية تعليم بناته، إن لم يكن العكس هو السائد. وبعد كل هذا نتساءل بسذاجة أقرب للغباء، عن سبب تخلف شعوبنا؟
***
تفتخر الحكومة التركية، والإخوان المسلمون، بنجاح التجربة الإسلامية في تركيا، من خلال اتباعها لخط الإخوان في الحكم. كما يعتبر الكثير من «مفكريهم»، إن جاز التعبير، أن نجاح تجربة الإخوان في تركيا دليل على صحة فكرهم، وضرورة تمكين الإخوان لحكم بقية الدول الإسلامية.
ولكن الحقيقة، التي لا يعرفها البعض، ان الحكم في تركيا علماني صرف، وهو أساس تقدمها، بالتالي ليس للعقيدة الحزبية الدينية دور كبير في تقدمها بخلاف ما قاموا بتوفيره من استقرار سياسي نسبي. وما لا يعرفه الكثيرون أن نسبة كبيرة جدا من واردات الخزينة التركية من الضرائب تأتي من «أنشطة وممارسات» مخالفة للدين، الذي يدعون التمسك به. فتمسكهم لا يتعدى عادة رفض تقديم الكحول في المناسبات الرسمية، ووضع نوع من الحجاب على رؤوس بعض زوجات السياسيين، أما ما يحدث حقيقة على الأرض، ومن يساهم بكرم في دفع الضريبة، فأمر آخر تماما.
والطريف، أو المؤلم، وهذا ما لا تعرفه الغالبية، أن الأسواق العربية الإسلامية تعتبر من أكبر مستهلكي ومستخدمي المنتجات التركية. ومصنعو هذه المنتجات وجدوا انفسهم في ورطة بعد إغلاق الحدود السورية أمام شاحناتهم، لأسباب سياسية وأمنية، وبالتالي دفعتهم البرغماتية غير الدينية الى الالتفاف على الأمر وشحن عشرات آلاف حاويات المنتجات التركية والأوربية بحرا لموانئ إسرائيل، ومن ثم تحميلها على شاحنات برية للدول الخليجية والعربية الأخرى المستهلكة لها، وهذا تصرف براغماتي مصلحي مطلق، لا علاقة للعقيدة الحزبية به، وبالتالي فإن كل هذا الضجيج والهرج الذي يقال عن نجاح النموذج الإخواني التركي لا يعدو ان يكون لغوا. فالنجاح هنا يجير للدولة التركية العلمانية، وليس للفكر الإخواني.
والآن هل لدى أولئك المتنطعين، المبالغين في إخوانيتهم، اي تفسير لمثل هذه الحقائق؟