قبل الانتقال إلى ذلك الرقم (الضخم المذهل)… 80 مليون وظيفة على مستوى العالم العربي! لا بأس بمشاهدة صورة في غاية الأهمية منقولة من معرض الوظائف في قطاع السيارات الذي نظمته وزارة العمل والتنمية الاجتماعية يومي الثلثاء والأربعاء (23-24 فبراير/ شباط 2016)، وأوضح زوايا الصورة هو الإقبال من جانب الشباب البحرينيين من الجنسين للتعرف على الشواغر المعروضة.
إن سلسلة المعارض والفعاليات التي تنظمها مختلف الجهات كالوزارة و(تمكين) والمحافظة الشمالية وغرفة تجارة وصناعة البحرين وبعض منظمات المجتمع المدني تتطلب، حتى تنجح، مساهمة أكبر من جانب الدولة ومن جانب شريحة أكبر من مؤسسات وشركات القطاع الخاص والمصارف لتقديم فرص عمل بامتيازات تناسب مؤهلات الباحثين عن عمل سواء من حملة الثانوية العامة أو حملة الشهادات الجامعية، أو حتى الشريحة التي لم تكمل تعليمها ولم تكتسب مهارات مهنية، وهذا الأمر له ارتباط دون شك بالتحولات الاقتصادية والنشاط الاستثماري، إلا أن قضية العاطلين عن العمل من أبناء البلد لابد أن تكون في أعلى قائمة الأولويات، وأن تحظى بأكبر قدر من التخطيط والاهتمام من جانب الدولة.
الكثير من الشباب الذين زاروا المعرض، تنوعوا بين حملة الشهادات الجامعية والدبلوم والثانوية العامة، وكانت تلك الفئة هي الأبرز، أي أننا أمام شريحة من المؤهلين الباحثين عن عمل، ومن الجيد، أن نرى ذلك الإقبال وتلك الشواغر التي بعضها عرض أجورًا جيدة جدًّا في وظائف وتخصصات متنوعة في قطاع السيارات، أقول من الجيد أن نرى مثل هذه العروض في وقت أصبح الكثير من البحرينيين تحت وطأة التسريح بسبب الأوضاع السيئة التي تواجهها القطاعات التي يعملون بها.
إن توفير الوظائف والحد من نسبة الشباب الباحثين عن عمل، هي قضية (تقرع أجراسًا كبيرة)، ليس في البحرين وحدها، بل في كل الوطن العربي، والحديث عن الحاجة إلى توفير 80 مليون وظيفة بحلول العام 2020 في الوطن العربي، هو رقم جاء خلاصة لدراسة أجرتها مؤسسة «الفكر العربي» التي تتخذ من لبنان مقرًّا لها، وصدر تقرير عن الدراسة بعنوان: «استحداث فرص عمل جديدة في الوطن العربي… دور للتكامل الإقليمي – 2014»، واستعان المركز بوحدة «ووترهاوس كوبرز إنترناشيونال» التي أجرت المسح الميداني في 20 بلدًا عربيًّا، وأبرز نتائجه أن 65 في المئة من المشاركين في المسح توقعوا أن يتحسن الاقتصاد (كان ذلك في العام 2014 وقبل الانحدار الكبير في أسعار النفط)، كما أن 97 في المئة يؤكدون أن التعليم يعد عاملًا رئيسيًّا في معالجة مشكلة البطالة بين الشباب.
الجانب المهم الذي يمكن أن نستفيد منه محليًّا من هذه الدراسة، هو أن نسبة بلغت 91 في المئة من المشاركين رأوا أن ريادة الأعمال هي محرك مهم لخلق فرص العمل والحد من البطالة، ولهذا، فإن الدراسة تشجع على فتح المجال للشباب لتأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تسهم في تحقيق نمو اقتصادي سليم، وخصوصًا أن الحكومات والشركات متعددة الجنسيات لا يمكنها تغطية الشواغر الوظيفية وفرص العمل لمواجهة مشكلة البطالة في الوطن العربي، بل إن الشباب الذين يؤسسون مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة يسهمون في توظيف أعداد أكبر من نظرائهم وهنا تصبح هذه المشاريع عاملاً محفزًا لتوليد فرص العمل، ومن المهم أن نضع في الاعتبار زاوية مهمة للغاية، وهي أن نحو 60 في المئة من المشاركين في الدراسة عبروا عن عدم الاستعداد للعمل في وظائف منخفضة أو متوسطة الأجر، وهذا ما سيكون له تأثير سلبي كبير على سوق العمل وربما انهياره.
لدينا تجربة ريادة أعمال لا بأس بها، ويمكن أن تكون أساسًا قويًّا قابلاً للنجاح والتوسع، وأكبر بوابة للنهوض بالاقتصاد الوطني مستقبلًا والتصدي للأزمات المرتقبة، أن تتجه الدول، بل كل دول المنطقة، إلى إيجاد استراتيجيات وطنية بتمويل محدد في الموازنات السنوية يخصص للشباب الراغبين في إطلاق مؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة… حتى في ظل تراجع أسعار النفط والأزمة الاقتصادية، فإن ذلك ممكن… وخصوصاً في دول الخليج التي يمكنها الاعتماد على الشباب، فأفكار التمويل لا يمكن أن (تُعدم)، ومستقبل الاقتصاد لن يتطور ما لم تتنوع مصادر الدخل القومي من خلال مشاريع يتولاها أبناء البلد.