عندما عزف السلام الوطني في إحدى المناسبات الرسمية، اختار احد نواب السلف البقاء جالسا، وعدم مشاركة بقية الحضور الوقوف احتراما للسلام، كما جرت العادة، او تطلب الأمر. لا بل وأمعن في التجاهل بالعبث بهاتفه النقال، المصنوع بأيد كافرة. وهنا لم يعترض أي «مسؤول» على تصرفه، فزاد عدد من قلده، فالسكوت علامة الرضا! وربما لقي التصرف تشجيعا من رواد مجلسه، لموقفه الشجاع من «العادات الغربية الدخيلة»! ولا ادري كيف برر النائب السابق وصوله الى البرلمان عن طريق «العادات الغربية الدخيلة» نفسها؟
وعندما حول بعض الخطباء منابر مساجدهم للدعوة للدولة الدينية، ورفض كل مظاهر الدولة المدنية، تطلب الأمر مرور ثلاثة عقود لتنتبه الحكومة لخطرهم، وتطلب الأمر مرور عقد آخر لتمنع البعض منهم من اعتلاء المنابر.
وعندما وزع ذلك السفيه مناشيره، ولا يزال، التي تدعو الى تكفير كل شيء في حياتنا، ورفضه لطريقة معيشتنا، ودعوته الشباب لمحاربة كل ما يعتقده مظهرا سلبيا، اكتفت الحكومة بتجاهل تصرفاته.
وعندما طعن سفيه في شرف أمهاتنا وأخواتنا، لم تتصد له أية جهة رسمية، حتى بمجرد اللوم. واستمر في تقديم برامجه التلفزيونية، وإلقاء خطبه المتطرفة، وتوزيع اشرطة الفيديو التي تظهره محاضرا ومعلقا. ولم يتخذ إجراء مستحق بحقه إلا بعد أن زرع سمومه في قلوب كثير من الشباب.
وعندما حولت أحزاب السلف والإخوان والتلف مساجد الكيربي إلى أوكار لتعليم المتطرف من المواقف، وتفريخ الإرهابيين المعارضين للدولة المدنية، ولكل جميل في هذا الوطن الرائع، تطلب الأمر عقودا عدة من الحكومة لتعرف أنها تهاونت كثيرا في إزالتها، علما بأنها كانت مخالفة في وجودها لكل قانون وعقل ومنطق.
مات «تركي العنزي» شهيدا، لأن حكومته لم تعط كل ذلك الكم من التحذيرات عن خطورة متطرفي الأحزاب الدينية أذنا حتى نصف صاغية، فتمكنت العداوة لكل مظاهر الدولة المدنية الحديثة من نفوس هؤلاء الشباب المخدوعين، الذين اقنعهم «علماؤهم» أن اي احتفال هو كفر وخروج على الدين يستحق من يمارسه ومن يروج له ومن «يحميه» القتل.
إن من قتل تركي العنزي ليس فقط من قام بتلك الجريمة الإرهابية، مع سبق الإصرار والترصد، ولا الحكومة التي سكتت لعقود طويلة على تنامي التطرف الديني، وتخريب عقول الشباب، بل وأيضا، أولئك الذين غسلوا مخ المتهم، وزينوا له صواب فعله، وأمثال هؤلاء كثر بيننا، وغالبا لا تطالهم يد القانون، لأنهم يعرفون ثغراته التي لا تود الحكومة سدها بما يكفي من تشريعات حامية، فليس هناك من هو في مأمن من شر هؤلاء، لا الدولة ولا المؤسسات ولا الأفراد. فهل ستعي الحكومة الآن الى مدى الخطر المحدق بالوطن؟ لا أدري!