لا شك في أن تعديل القوانين القائمة بالتوافق مع التغييرات المجتمعية، يعكس تطورا وفهما لدى المشرع، لكن هذا التطور يجب ان تحكمه مقاييس تحميه من ان يكرر نفس عثرات القوانين التي سبقته. لماذا نشرّع قوانين جديدة؟ لان القانون يساعد على تقدمنا وينظم حياتنا وهو سبب رئيسي في ضبط وتأمين حياتنا الاجتماعية. لم يخلق القانون أبداً ليكون وسيلة للكبت وقتل الإبداع، وكأنه وسيلة قمع جديدة، لا وسيلة ابداع جديدة. ولعل أكثر الانتقادات التي طاولت القوانين المجتمعية الأخيرة كانت تصب في خانة قمع الحريات لأن المجتمع أدرك انها قوانين تقلص من حرياته.
من أمثلة هذه القوانين الجديدة والتي تتم دراستها ورصد ردود الافعال ناحيتها، مشروع قانون الجمعيات الأهلية والخيرية، وهو تعديل على قانون جمعيات النفع العام القائم، وجاء هذا التعديل بناء على تطور ثقافة العمل التطوعي في المجتمع وتنوع النشاطات الخدمة، وهذا بلا شك يعد مؤشراً مجتمعياً راقيا، واستجابة على قدر هذا الرقي ممن ينوي تعديل هذا القانون الصادر في 1962.
بيد أن بعض هذه التعديلات تعطي انطباعاً بأن التعديل وكأنه يريد ان يعيدنا الى ما قبل اصدار القانون الأول، ولا ينوي ان يتطور بالعمل التطوعي الى الأمام، حيث حوت ما بين سطوره الكثير من القيود التي تعكس نفس تقييدي على الجمعيات التي هي في الاساس جمعيات لا ربحية. على سبيل المثال هي تلك السلطة الموضوعة لوزير الشؤون في هذا التعديل، حيث يحق له تعيين ثلث أعضاء مجلس الإدارة في مجلس منتخب، فتتحول الجمعية من الإطار التطوعي النفعي، الى الإطار الحكومي، وكأنها ادارة تابعة للوزارة.
كما أن التعديل الجديد لقانون الجمعيات أجاز للوزارة دمج الجمعيات ذات الاختصاص المشترك، وهذا سلاح ذو حدّين، فلم يضع المشروع بقانون تلك الضوابط أو المسطرة التي يقاس عليها تشابه اهداف الجمعيات، بل ان عصا التصفيات غداً قد تطول كل جمعية بحجة ان اهدافها تتشابه مع جمعية أخرى. ورغم ذلك، فالتعديل به من المميزات التي أيدتها كثير من الجمعيات، فالاهتمام بمؤهل اعضاء مجلس الإدارة يزيد من قيمة الجمعية، وتشديد البعد عن السياسية، وتطبيق الحوكمة المالية، والمتابعة الادارية، كلها مطالب أكدت عليه الجمعيات قبل الوزارة. التعديل للأفضل هو المراد، لكن أن تأخذ الوزارة حجة التعديل بفرض قيود على الجمعيات التي تعمل بلا مقابل، هذا لن يفيد العمل التطوعي، وسيخنقه أكثر مما هو مخنوق.