“وين رايحين”، عبارة كان يكررها المرحوم الشيخ سعد في أكثر من مناسبة، حين يجد أمامه عقبة سياسية ما، والتي هي بطبيعة الحال من صنع “وخمال” الحكومة بالأغلب، ليت سمو رئيس الحكومة الآن يسأل جماعة الوزراء الذين يترأس مجلسهم مباشرة ونواب مجلس الأمة “المختارة” الذي تهيمن عليه وزارته حكماً السؤال ذاته. معك في مجلس الوزراء يا سمو الرئيس وزير الصحة الذي قال عنه ديوان المحاسبة إنه “مشى” أكثر من خمسة آلاف معاملة غير مستحقة للعلاج بالخارج من أجل نواب الأمة المختارة، وأيضاً لخاطر عيون زملائه من الوزراء الذين أنت ترأس مجلسهم، ماذا فعلت معه، لنترك استجوابه فهذا كلام “مأخوذه زبدته” فبعد 5000 معاملة “مشيني وامشيك” ماذا نتوقع من نتائج الاستجواب غير “خبرك وعلمك”!
ماذا بعد؟ الاستجواب “وتفركش”، وفركشة ثانية، لحل تقليص نفقة العلاج، الذي كان لا يقل سوءاً وفساداً عن عنتريات ووساطات العلاج السياحي، فتراجعت حكومتك يا سمو الرئيس عن قرارها السابق، وعدنا للمربع الأول، لجنة عليا للعلاج، سيتم تشكيلها أو ربما شكلت (ولا أكترث لنوعيتها) في الأغلب لتساير السيد “وزير صحتك” الذي قال عنه ديوان المحاسبة إنه مشى حوالي 5000 معاملة غير مستحقة للعلاج، هذا مجرد تكرار كي لا ننسى، ويبقى وزيرك في مكانه غير المناسب مع الواسطة والمحسوبية التي يفرضها وزراء “الديلوكس” ونواب الأمة، المختارة، وكل الكلام والثرثرة والوعود عن الترشيد والإصلاح يصبح “تيش بريش” آخر الأمر… وسالفة وزير الصحة طال عمرك، مجرد مؤشر بسيط يخبرنا عن تخبط وتردد حكومتك في حسم الأمور ومكاشفة الناس بكل صراحة عن حقيقة الحال.
أيضاً أمامك يا سمو الرئيس تقرير صندوق النقد الدولي ودراسات طويلة وعريضة من لجان مختصة وعشرات اللجان غير المختصة والمتسولة من كسل الجماعة المختصين، ودراسات كثيرة مثل لجنة بلير ولجان عوير وزوير، كلهم قالوا، إذا لم أنس، إن طريقنا مع بقية دول الخليج درب كارثي بنهجه المتمثل في الاعتماد الكامل على هبة النفط، وغياب الضريبة والدعم غير المعقول للمستحق وغير المستحق، والفساد الإداري، وسياسة دبلوماسية الدينار، بمعنى شراء الولاءات في الداخل، وخلق الإنسان الريعي المتزلف صاحب شعار “الشيوخ أبخص”. أو التبضع في أسواق الخارج بشراء ود الدول الكبيرة بصفقات السلاح بالأرقام الفلكية رغم العجوزات المالية، أو شراء مواقف دول فقيرة تترزق على باب الله، فتساند دولنا معنوياً وبدماء أبنائها مادياً، وحتى لا أسرح مع دنيا الشذوذ السياسي العبثي… أعود وأسأل سموك ماذا فعلت…؟ وكيف احتطت للمستقبل، بغير تلك “الكليشهات” الخجولة عن المساس أو عدم المساس بجيب المواطن رغم أنف موس وزير المالية، التي تتناقلها وسائل إعلامنا، وتجس عبرها الحكومة نبض الشارع، وكأن الشارع يملك نبضاً أو أمراً في مستقبل الدولة.
ماذا فعلت يا سمو الرئيس؟ التفت حولك وحولنا، تجد المنطقة تغلي بحروب أهلية طائفية مخيفة ومعها مغامرات سياسية خطرة، وإذا طالعنا أي وسيلة إعلام غير محسوبة على بيوت المال الافلة “بترول دولار” تجد أنها تحذر من خطر تمدد الحروب الأهلية خارج سورية والعراق وليبيا إلى الأردن ولبنان وحتى تركيا، التي تشهد حرباً أهلية مصغرة مع الأكراد (فورن افيرز العدد الأخير)، أما “العم” والحامي الأميركي فيبدو أنه زهدنا، وأصبح أقل حماسة لقضايانا، بعد أن استهلكنا تاريخياً لتنفيذ أجنداته الخاصة بالحرب الباردة في أفغانستان عبر حرب المؤمنين ضد الكفار السوفيات، أو تمويل تكاليف حسابات سياساته في دول أخرى، تتذكر مثلاً نيكاراغوا وإيران كونترا… فماذا نريد منه؟ وماذا يتوقع الحامي الأميركي من بني نفط طالما إسرائيل بسلام وأمان، وإيران لن تنتج النووي، ومكامن نفط “شيل” في أرضه فيها بركة لاستهلاكه الداخلي وللتصدير كذلك… فلماذا يتورط في المزيد من محننا وعنترياتنا… وهو الذي ورطنا ذاته بالكثير في تداخلاته بدولنا في السنوات الماضية.
ماذا فعلت وماذا تنوي أن تفعل… هل بدأت بشيء ملموس نستشعره، من غير مداراة خواطر فلان وعلان من الذين تعرفهم ونعرفهم جيداً؟! وهل أشعلت حكومتك بصيصاً من الأمل للقادم؟ هل تملك حكومتك أمراً جديداً غير المانشيتات والخطوط العريضة الخاوية التي تنقلها صحافتنا شبه الرسمية الآن…؟ هل ترى أن الزمن يجري لصالحنا، وأنه ستحدث يوماً ما معجزة نفطية، تنقذنا من مستقبل مظلم… أم تعتقد أن تلك الأيام ولت لغير رجعة؟ ماذا تنوي أن تفعل أمام كل ما يجري؟… أخبرنا طال عمرك، فالقلق قاتل.