«بومتيح، مدور الطلايب»! تسمية كويتية تطلق على من يبحث، متعمدا، عن المشاكل، لينشغل بها، ويورط نفسه والآخرين فيها.
وهذا ما أشعر به حقيقة عندما أقرا مقالات بعض الزملاء، أو عندما اقلب صفحات جرائد الصباح، حيث أجد نفسي متفاعلا مع هذا الزميل، أو رافضا لما كتب آخر، أو محبا او كارها لخبر ما يستحق التعليق عليه أو الكتابة عنه، أو الشعور بضرورة توضيح ما كتب معلق، أو صرح سياسي.. وبالتالي أجد نفسي، من دون أن اشعر، قد اشغلت عقلي وحواسي الأخرى، اليوم كله، في مناقشة محمومة، بيني وبين نفسي، فيما يجب كتابته وفي كيفية الرد على هذا وإسكات ذاك. وقد أتعبني ذلك كثيرا، خاصة أن المواد او مقالاتي التي تنتظر دورها في النشر كثيرة، فكيف أزيدها، خاصة وأنه لا يمر اسبوع من دون ان اقوم بشطب مقال او آخر، لأن الوقت قد مر عليه، وأصبح «بايتا».
وهنا وجدت أن من الأفضل، رحمة بحالي وعقلي، التقليل من تصفح الجرائد اليومية، أو قراءة مقالات الزملاء، الطيبين منهم، وما أكثرهم، أو التعساء، وما أقلهم! والاكتفاء بما يلفت نظري لأهميته.
كان لا بد من هذا التوضيح، لأن اخوة وقراء أعزاء يسألوني، بين الفترة الأخرى، عن رايي في ما كتبه فلان أو عن سبب عدم ردي على علان، وكنت دائما اشعر بالحرج لعدم متابعتي لكل شيء. وبالتالي كان من المهم التوضيح لهؤلاء أن ليس في الأمر أي تعال أو تكبر، بقدر ما يعود الأمر لحالتي النفسية، لمحدودية قدراتي، ولرغبتي في إعطاء ما اكتب الأولوية في النشر، وترك الرد على الآخرين في حدود ضيقة جدا.
وفي السياق نفسه، فقد غادر دنيانا الكاتب محمد حسنين هيكل، الصحافي الأشهر والأكثر جدلا في التاريخ الحديث، والذي كان من الممكن أن يحفر اسمه عميقا في الذاكرة، وتنال سيرته نقدا سلبيا اقل، لو كانت مواقفه من الحريات والديموقراطية أكثر وضوحا، فقد كان لعدة عقود جزءا من دكتاتورية عسكرية. فالتاريخ يغفر للمثقف كل هفواته وسقطاته إلا عجزه عن الوقوف مع الحريات السياسية، وهذا ما افتقدته مصر طوال حقبة نفوذه الخفي، يوم كان بإمكان ناصر تحويل مصر لواحة ديموقراطية، وضمان انتخاب المصريين له مدى الحياة، وتغيير وجه التاريخ في المنطقة، ولكنه اختار، وغالبا بدعم من هيكل، الذي كتب له «فلسفة الثورة» أن يحكم منفردا، وأثر ذلك في بقية من جاء بعده. وربما يكون كتاب عادل حمودة عنه الأكثر صراحة وقسوة.