من أساسيات الفكر الدستوري قاعدة مهمة وشهيرة، وهي: على قدر السلطة تكون المسؤولية، ومن ثم فإن تولي المسؤوليات والمناصب العامة في الدولة يتبعها تحمل التبعة والمسؤولية، وهو مبدأ إسلامي مستقر في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَع.يَّت.ه.، الإ.مَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَع.يَّت.ه.، وَالرَّجُلُ رَاعٍ ف.ي أَهْل.ه. وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَع.يَّت.ه.، وَالْمَرْأَةُ رَاع.يَةٌ ف.ي بَيْت. زَوْج.هَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَع.يَّت.هَا، وَالْخَاد.مُ رَاعٍ ف.ي مَال. سَيّ.د.ه. ومَسْؤولٌ عَنْ رَع.يَّت.ه. ـ قَالَ: وَحَس.بْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ ف.ي مَال. أَب.يه. وَمَسْؤولٌ عَنْ رَع.يَّت.ه. ـ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَع.يَّت.ه.».. وهذا تدرج واضح في درجات المسؤولية وطبيعتها.
ولم تغفل الأنظمة الدستورية والقانونية هذه الحقيقة، فسطرت نصوصها وأحكامها هذه المسؤولية ورسمت حدودها، وصارت تلك أحد ملامح البناء السياسي والإداري في تنظيم الدول والمجتمعات قديمها وحديثها.
لكن الملاحظ لدينا في الكويت في سلوك الحكومات المتعاقبة والإدارة العامة منذ التحرير، نسق غريب ولافت للنظر ترى فيه تسابقاً محموماً وغير صحي لتقلد المناصب الوزارية والإدارية في الدولة، التي خرجت من نطاق مفهوم التكليف، لتصبح غاية تشريفية يتسابق إليها طلابها بصورة مخيفة، وأسوأ منها رغبتهم الاستمرار والبقاء فيها. وفي الوقت نفسه لا يقوم من يتولى هذه المناصب الوزارية أو القيادية بمسؤولياته، فهو لا يتخذ قرارا في معظم الأحيان، أو يتخذه بعد فوات أوانه، أو يحيله لغيره ليتخذه بدلا منه، أو يحتاج للجان تبرره وأجهزة تمرره قبل اتخاذه، أو لفتوى تجيزه، أو حكم قضائي يفرضه، أو كارثة تحل بالبلد ليصدره.
وقد تزايدت مظاهر التهرب من المسؤولية والتواري عند الحاجة للقرار أو التسويف والتأجيل، وعرقلة وتعطيل مصالح البلاد والعباد، لكون الوزراء والمسؤولين يخشون اتخاذ قرار وتحمل مسؤوليته، ولذا صارت الانتقادات وردة الفعل والاحتجاج على قرارات الوزراء والقياديين ذات أثر فوري، يتبعها تراجع مباشر عن القرار، أو الإعلان أنه لم يتخذ بعد وفي طور الدراسة، رغم صدوره، لكن يتم إخفاؤه أو سحبه بهدوء.
وهكذا صار البلد في مهب حكومات ووزراء وقياديين سببا لوقوف حال البلد وتعطل مصالحه وإخفاق مشاريعه والإضرار التي تلحق به، لأنهم يخشون اتخاذ القرار تجنبا للمسؤولية أو إثارة المساءلة، وهم من يتدافع ويسعى الى تولي المسؤوليات والمناصب، ولمن بكل أسف لأغراض للوجاهة والتشريف وتحقيق الأمجاد الشخصية والمصالح الذاتية، وليس بغرض تحمل المسؤولية عن السلطة والمنصب الذي يشغله كل منهم، وهو وهن عظيم في بناء الدولة، التي توارى عنها من يكون أهلا للمسؤولية، وأسندت المناصب والمسؤوليات غالباً لغير المؤهلين وغير الأكفاء وغير رجالات الدولة، وهو ما أوجد طبقة قيادية فاقدة للرؤية والأهلية والقرار، لأن معظمها غير كفؤة منذ لحظة تعيينها، مما أورث كماً هائلاً من القياديين المعاقين عن القدرة على اتخاذ القرار (ففاقد الشيء لا يعطيه)، وتتملكهم الخشية من المسؤولية، فضاعت الدولة وضيعت مصالحها، فليرحل هؤلاء سواء كانوا وزراء أو أعضاء مجلس أمة أو قياديين، فالدولة متضررة كل يوم من استمرارهم، فعلى قدر السلطة ينبغي أن تكون المسؤولية، وليتحمل عبأها من هو قادر على مواجهة مسؤولياتها، وتحمل تبعاتها ممن هو حري بالقرار حفظاً للبلد من المزيد من التدهور.