“الدولة تبيع النفط وتوزع الرواتب”، هي عبارة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم التي اختصرت وضع الدولة الاقتصادي، هكذا الدولة الكويتية ومن برفقتها ومن في قالبها النفطي، دول تبيع النفط وتوزع الرواتب، فالعمارات الأسمنتية الطويلة الشاهقة بطول وعرض الدولة، تتحدى وتقزم الامباير ستيت وسيرز بمنهاتن نيويورك وشيكاغو وماليزيا واليابان، ولدينا كذلك مؤسسات عامة بها وزارات وهيئات وإدارات وبشر في مناصب عالية وبشر يداومون وبشر يوقعون ويخرجون ويتسكعون في شوارع السأم، وبشر يصرحون بكل مناسبة في دولة أضحت غير مناسبة، وبشر يرتدون البشوت و”يرتزون” للمنصات الإعلامية وتسير من أمامهم ومن خلفهم وعلى يمينهم ويسارهم سيارات سوداء ضخمة تطلق صافرات الهيبة والوقار المفروض، ونواب وصحافيون يصطفون لتحيتهم والسلام عليهم ويأكلون من الموائد العامرة بالقوازي وملحقاتها، وتلتقط صورهم من الإعلام المرئي والمسموع مثلما علمتنا الدولة من قوانين الجزاء الجديدة وهم في “بوزات” توزيع الابتسامات الدبلوماسية ويتكسبون الوجاهات والحيثيات الاجتماعية، فيقول عنهم “الرعية” في يوم ما للذكرى العظيمة: هذا معروف… هذا ولدنا بصوره الفظيعة تملأ أرواحنا السقيمة بلحظات بهجة عابرة وهو يأكل ويزرط اللحم والرز مع المسؤول الكبير “الوجيه” ابن الوجيه، لكن في النهاية هم أيضاً محشورون في دولة تبيع النفط وتوزع الرواتب.
عندنا أيضاً أسواق بها دروب عريضة وضيقة لا تنتهي تضج بالمحلات والدكاكين ومطاعم فوق المطاعم تروج لـ”فاست فود وهلثي فود وجنكي فود”، وفي كل شارع مطعم، وفي كل مساحة فاضية مطعم، حتى في المنازل الخاصة هناك مطعم يبيع بالتلفون، فربات البيوت الماهرات في الطبخ والنفخ وبمساعدة جون الهندي وفرناندو الفلبيني أصبحن “شيفات” يبعن الطعام الفاخر ماركة “شغل بيت” لمنازل التنابلة أو لناس تورطوا في عزائم وليس لديهم مكملات البرجوازية العالية من خدم وحشم وطبابيخ مهرة، المهم أن الكل يعمل بجد واجتهاد ويغسل يده قبل الأكل وبعده في بلد يبيع النفط ويوزع الرواتب.
لا تنسوا أن لدينا أيضاً غير الجمعيات التعاونية، جمعيات من نوع آخر، ينتظم بها المحامون والأطباء والصحافيون وغيرهم، لكنهم في النهاية كلهم يرضعون من ثدي بلد يبيع النفط ويوزع الرواتب.
أيضاً لدينا مجلس أمة ومجلس وزراء ومحاكم، وقوانين ولوائح وقرارات وجريدة رسمية، وجرائد يومية شبه رسمية… ولدينا مطار وسجون ومخافر وشرطة لديها صافرات وقوات خاصة عندها بلطات وجيش مع أسلحة حديثة اشتريت بأسعار برخص التراب… ولدينا شوارع وسيارات، وسيارات فوق السيارات، وأرصفة فوقها سيارات، وساحات بها إما مطاعم أو سيارات، وكل حسب حاجته وكل حسب سيارته كما يقول ماركس المطبة… ولدينا الكثير والكثير من الكلام المسموح والكلام غير المسموح في دولة “تبيع النفط وتوزع رواتب”… وإذا لم تبع النفط أو لم تجد مشترياً… فماذا سيصبح لكل ما سبق…؟