كانت خطبة بلاستيكية رائعة، خطبة يوم الجمعة الماضي. خطبةً تفوح منها روائح المواد الحافظة. أبدع فيها بعض الخطباء وجلدوا ظهر الضحية، المواطن، بضمير وخشوع، في حين رفض بعضهم، وهم قلة، ما جاء في تعميم وزارة الأوقاف، ووجه النقد لمن يستحقه.
نحن نعيش في سنوات الخريف، حيث يتساقط كل جميل كانت له قيمة. فقبل فترة، تحول بعض شيوخ القبائل وبعض وجهاء العوائل إلى جنود صغار يتلاعب بهم ذوو القرار، فتضاحك الناس حزناً على هؤلاء الأطفال الجشعين. وقبل ذلك، زمّ الناس شفاههم قرفاً من حالة الإعلام، وهو بارك على ركبتيه، بكل ذل، في حضرة المال والسلطة، بعدما كان شامخاً، وخفت صوت زئيره، وعلا صوت الطبل فصمّ الآذان، وارتفع دخان البخور الذي حمله بعض “كبار الإعلاميين” وبعض “كبريات الصحف” فأعمى العيون وأسال الدموع. وبعد ذلك تساقط بعض نجوم الرياضة الكبار، وتضاءلوا حتى بتنا لا نراهم إلا بمكبر، وتضاءل شعراء، وفنانون، ومبدعون، أو من كانوا مبدعين… كلهم تساقطوا، وذهبت بهم الريح.
حتى المؤسسات تساقطت، الواحدة تلو الأخرى، إلى أن وصلنا إلى هذه اللحظة التي أشفق فيها الناس على أئمة المساجد وخطبائها، الذين سقطت صورتهم من على الجدار، فتكسر زجاجها.
يقول مواطن: عندما شاع بين الناس أن الخطبة ستوجه النصح واللوم للشعب، وتسكت عن المتسبب الحقيقي، وأنها صيغت بقلم الحكومة والبرلمان اللذين فسدا وأفسدا، قررتُ أن أقوم بتصوير الخطبة، بواسطة هاتفي، وتصوير الإمام وهو يحذر المواطنين من الإسراف، ويغض الطرف عن فساد الحكومة والبرلمان، لكنني تراجعت في اللحظات الأخيرة، مراعاة لمشاعر أبناء الإمام عندما يرون والدهم، في مقاطع الفيديو التي ستنتشر، وهو في هذه الحالة المزرية المهينة.
أواااه يا كويت… ماذا تبقى لنا من مظاهر الجمال لم يسقطه الخريف بعد؟ ماذا تبقى لنا من قيم؟ ماذا تبقى لنا من الكويت؟ قولي لنا ماذا تبقى، وسنخفيه عن أعين هؤلاء قبل أن يُسقطوه في الوحل. فقط قولي لنا ماذا تبقى من الجمال.