*الجزء الرابع من الحلم الكابوس: هجمت المرأة العجوز وهي تضرب يمنةً ويسرةً (في بعض من حولها) وهي تصرخ وتقول: «تبون الصج… هذا الصج… ما يفيد الكلام الطيب مع الأباليس اللي عافسين الديرة… عايشين معززين مكرمين… يعيثون في الأرض فساداً ولا أحد يحاسبهم».
هرب الكثير من الناس وأنا منهم بسبب شدة (سطوة تلك العجوز وعكازها الذي بدا وكأنه رمح روماني!)، حتى أنني وجدت ذلك الرجل الذي لايزال ينظر إلى الجمع من مكانه على الهضبة وهو ينظر بدهشة والعجوز كأنها (فارس الفرسان) لم تتعب ولم تستكن، وما هي إلا لحظات حتى قالت وهي تصرخ في الناس :»أنتم السبب… أنتم الجبناء… أنتم التعساء… صار لكم سنين تشوفون الغلط وساكتين… الحرامية واللصوص لاعبين لعبتهم… وكل واحد حطوه في موقع مسئولية قام يخربط ويعفس على كيفه كأن بيت أبوه… الوطن ما يبي مثل هالناس، وانتو ما فيكم إلا النفاق والصبغ… من وراهم تتكلمون عنهم وتلعنون أبوهم… وجدامهم تطيحون فيها تلميع وصبغ… مالت عليكم وعليهم… يللا فجو من جدامي».
لحقت بالعجوز متخطياً الناس من حولي حتى وصلت إليها: «خالتي… خالتي لو سمحتين يعني… خالتي»… وإذا بالصرخة مزلزلة:»جب… خالتي… تخلخلت ضلوعك قول آمين… تباعد عني أنت بعد»… تحملت موجة الغضب والصرخة مادام العكاز الرمح لم يهاجمني، فأعدت النداء: «خالتي… أرجوك… بليز بليز.. أريد أن أكون معك لأعرف المزيد وسأكون رهن إشارتك مادامت مخلصة للوطن وللناس ولكل الطيبين… كلنا نحب البحرين، بس نبي نخدمها صح بدون نفاق وفشخرة وبدون ما يكون المجال لأصحاب المصالح… الطائفيون يعبثون… الفاسدون المفسدون يعبثون… والمواطن رايح ملح يا خالة… على الأقل أتعلم منك بعض الأسرار والأفكار».
ابتسمت حتى ظهرت الأسنان الثلاثة وهي تقول :»خوش ولد… تعال يا يمه… عندنا شغل»… في هذه الأثناء دار اللغط بين الناس وهم يوجهون كلامهم وأصابعهم إلى الرجل الذي لايزال جالساً على الهضبة: «لا تقعد تقول أيها البحرينيون وأيها البحرينيون… احنه للحين مو فاهمين السالفة… موب عارفين أنت من… وش تبغي… وش سالفتك… ترى مثلما قلنا لك سابقًا… شبعنا كلام خرابيط وجذب… يا تقول وش السالفة يا تفتح باب هالقلعة وتتركنا نرجع لأشغالنا ورزقنا وبيوتنا… أي والله… مصختها صراحة»… أما أنا فلأول مرة أعلم أننا جميعاً محصورون في قلعة عالية الأسوار… رأيت حولنا في الأفق سوراً عالياً يحيط بنا من كل جانب.
هذه المرة، بدا ذلك الرجل أعلى الهضبة غاضباً: «يعني ما تبوون الواحد اللي يدافع عن مصالح الوطن ومصالحكم… ما تعطون الواحد فرصة… المهم، كلمة سأقولها وسأمضي: شوفوا عاد… البلد ما راح ينصلح حالها وأنتم في شقاق وخلاف… حتى لعب الكورة يصير عندكم طائفية وتناحر… حتى لو تكلم مواطن عن حقوقه صار مجرم وفاسق وكافر ومشرك وعدو للوطن… علبالكم ينصلح الحال… لا… وإذا رشحتم أحد يمثلكم ويتكلم بلسانكم، ينقلب عليكم ويصير ضدكم وأنتم تهرجون… بصوتك تقدر وبصوتك تقدر… سمعوني… والله فشلتونا صراحة… أنا سأترككم وأبحث عن ديرة أخرى فأرض الله واسعة… ما تستاهلون الواحد يقف معكم ويشيل همومكم».
أما العجوز فقد هدأت قليلاً وقالت باستهزاء: «ما في رياييل… هاذي المشكلة… في الأزمات والشدائد التي تتطلب الصراحة والمكاشفة لمصلحة الوطن والمواطن… ينزوي البعض ويترك البعض الآخر مسئوليته ويختفي… سكتم بكتم… ويتصدر المنافق والمطبل والجمبازي… أقول نجحنا… بس بعدي ما خلصت كلامي»… مرة أخرى تركتنا العجوز أم عكاز في حيرة… ترى، متى ينتهي هذا الكابوس؟