جامعة الكويت مؤسسة علمية عريقة، ولها تاريخ ناصع من المواقف الوطنية المشرفة، وكانت تجسد صرحاً شامخاً ليس فقط في المجال الأكاديمي والإنتاج العلمي، أو أنها إحدى أقدم الجامعات الحديثة في المنطقة، بل لأنها تمثل نبض المجتمع والنخبة التي فتحت آفاق الثقافة والوعي السياسي، ولا يستثنى من هذا الصرح أي من منتسبيه سواء على مستوى الهيئة التدريسية أو الأمانة العامة والجهاز الإداري أو الجسم الطلابي العريض.
جامعة الكويت تظل في النهاية مؤسسة حكومية، تعتمد في ميزانيتها على الأموال العامة ورئيسها الأعلى وزير التربية ووزير التعليم العالي، وقد اتسعت الجامعة بشكل طبيعي لتشمل مختلف الشرائح والانتماءات والتيارات السياسية في هيئتها التدريبية وكوادرها الطلابية، ومن الطبيعي أن تتأثر بمحيطها المجتمعي بكل سلبيات المجتمع وإيجابياته، ومنها التنافس والصراع والتجاذبات السياسية والتحالفات التكتيكية والتدخلات المباشرة وغير المباشرة من الحكومة ذاتها أو من القوى السياسية أو الشخصيات ذات النفوذ المالي والاجتماعي وغير ذلك، خاصة في رسم سياساتها العامة وتعيين متولي الوظائف القيادية.
هذه التجاذبات والتدخلات التي استمرت سنوات طويلة كانت سبباً رئيساً في تراجع قيادة الجامعة للمجتمع والمساهمة في خلق الرأي العام على حساب الانكفاء نحو الداخل والانشغال بالصراعات الداخلية، وفي كل مرحلة من مراحل الإدارات الجامعية كانت تبدأ تصفية الحسابات والعودة إلى الوراء بدلاً من الاهتمام بالمستقبل والحرص على التطوير والارتقاء، ونتيجة للمصالح الكبيرة تحولت جامعة الكويت إلى المدرسة والبحث العلمي، وفي الوقت نفسه إلى مقاول وشركات للاستشارات والتدريب، ولعل هذه الدوافع قد زادت من حدة الصراع والتنافس.
نتيجة لهذا الوضع ظلت جامعة الكويت لما يزيد على عام أكاديمي كامل دون إدارة ولا مدير ولا عمداء ولا أمين عام، وبالنتيجة بلا خطة أو استراتيجية واضحة، لكن بدأت الأمور تستقر تدريجياً، وبحسب خبرتي المتواضعة لأول مرة منذ سنوات طويلة لم يهبط مدير الجامعة بالبراشوت إنما من خلال ترشيحات لم تخلُ من المنافسة، وثبات السيد وزير التربية أمام الضغوط السياسية ساهم في تعزيز العمل المؤسسي، كما أن إجراءات اختيار العمداء سارت على المنهج المؤسسي، وبالتالي جاءت نتائجها سريعاً بعكس الحالات التي تدخلت فيها السياسة فتعثرت، فقد عقد مجلس الجامعة أول اجتماعاته في الفصل الثاني من العام الجامعي! ولكن بنصاب حقيقي وخطة عمل نأمل لها النجاح والتوفيق.
سواء أعجبتنا القيادة الجامعية الجديدة بمسمياتها كأفراد أو لم تعجبنا، وبغض النظر عن المحاولات البائسة الأخيرة في نشر بعض القصص المفبركة والكاذبة لإعاقة تشكيل الإدارة الجديدة، إلا أن المسيرة انطلقت، ويبقى علينا الحكم على الأداء وتقييم الإنجاز، وبالإضافة إلى المبادئ الأساسية في إقامة العدل واحترام القانون التي ينشدها الجميع، نتمنى أن تضع الإدارة الجديدة ضمن أولوياتها القصوى قانون الجامعة الجديد لبدء عهد جديد من العمل تحت شعار الكثير من العلم والقليل من السياسة!