قدت سيارتي ذات مرة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى ساحلها الغربي مستخدما الطريق الذي يمر بالولايات الشمالية، وفي طريق العودة من الغرب إلى الشرق استخدمت الطريق الذي يمر بالولايات الجنوبية وشعرت في نهاية الرحلة ان هناك فارقا حضاريا وثقافيا واقتصاديا كبيرا بين الشمال الاميركي الصناعي الغني والجنوب الاميركي الفقير الذي هو اقرب ـ خارج مدنه الكبرى ـ لبعض دول العالم الثالث حيث الفقر والاعتماد على الثروات الطبيعية كالنفط والقطن وتربية الماشية، وقد حاول الشمال جر الجنوب للعصر الصناعي والثراء فأنشأ مصانع الأسلحة المختلفة فيه وهو ما افاد الجنوب بشكل محدود وإن استفاد الجنوب بشكل كبير من المقاطعة النفطية العربية بعد حرب 1973 وارتفاع اسعار النفط بشكل كبير.
***
وبقي في الفكر الاستراتيجي الاميركي الشمالي ومراكز الدراسات في واشنطن خوف دائم من انفصال دول الجنوب الاميركي (كلمة STATE تعني دولة لا ولاية) فبعد اربعة ايام من انتخاب الرئيس الاسود باراك اوباما عام 2012 تقدم ممثلون من 15 ولاية اميركية اغلبها من الجنوب بطلب الانفصال والاستقلال عن الولايات المتحدة وتشكيل دول خاصة بهم الا انهم لم يحصلوا على الاصوات اللازمة لتمرير ذلك المشروع وبقي الجنوب الاميركي في الاغلب محافظا ويغلب على سكانه وساسته وميليشياته العداء الشديد لما تمثله قيم وسياسة واشنطن بعكس الشمال الذي يغلب عليه الليبرالية والانفتاح لذا كان اتهام المرشح الجمهوري تيد كروز القادم من تكساس للمرشح الجمهوري دونالد ترامب القادم من نيويورك بأنه يعكس اخلاقيات اهل نيويورك ويقصد الليبرالية كي يثير عليه حفيظة التوجهات المحافظة في الحزب الجمهوري وهو ما جعل المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون تصطف في موقف فريد مع خصمها ترامب في الدفاع عن اخلاقيات وثقافات اهل نيويورك الذين مثلتهم لسنوات طوال في الكونغرس الاميركي.
***
وقد يكون الخوف من انفصال الولايات الجنوبية هو احد الاسباب السياسية الخافية لانخفاض اسعار النفط بالعالم هذه الايام فمع ارتفاع اسعار البترول والغاز اصبحت الميزانية المجتمعة للدول او الولايات الخمس المحيطة بخليج المكسيك ونعني فلوريدا ولويزيانا وألاباما ومسيسيبي وتكساس تفوق 2.3 تريليون دولار اي انها لو انفصلت وشكلت وحدة كونفيدرالية بينها لأصبحت الاقتصاد السابع في العالم بعد الولايات المتحدة (التي سيتراجع تصنيفها بعد الانفصال) والصين واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وهو ما دفع للانهيار السريع للأسعار ولإقناع القائمين على تلك الولايات او الدول الاميركية بما اقنع به الانجليز الشعب الاسكتلندي لمنع انفصاله من انه ليس بالنفط وحده تحيا الاوطان والشعوب وليتنا نتعلم من ذلك الدرس البسيط.
***
آخر محطة:
(1) افضل فيلمين أخرجتهما هوليوود لإظهار الفروقات الرئيسية بين ثقافتي الشمال والجنوب الأميركي هما فيلم «ذهب مع الريح» عام 1939 وأفضل منه فيلم «العمالقة GIANTS» عام 1956 الذي يصور زواج الجنوبي روك هدسون بالشمالية اليزابيث تايلور لتنتقل معه للجنوب ليكشف لها الشاب المتمرد جيمس دين مدى عنصرية الثقافة الجنوبية خاصة تجاه الاصول المكسيكية قبل ان يكتشف البترول في ارضه بالجنوب، وكان الفيلم آخر افلام الشاب جيمس دين قبل مقتله بأيام.
(2) الرئيس جورج بوش الابن (لا الأب الشمالي) هو أول رئيس جمهوري من الجنوب في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية التي اعتادت اختيار رؤساء ديموقراطيين من الجنوب مثل جونسون وكارتر وكلينتون الزوج لا الزوجة الشمالية المولودة في شيكاغو.