يقول الصديق نجيب الصالح، نقلاً عن الصحافي الأميركي في النيويورك تايمز جون سوينتون، الذي كان الأشهر بين أقرانه في خمسينات القرن الماضي، إنه عندما طلب منه إلقاء كلمة في نادي الصحافة بحضور جمع من كبار صحافيي أميركا، قال: ليست هناك صحافة مستقلة، وأنا وأنتم نعرف ذلك. وليس بيننا من يجرؤ على كتابة رأيه الصادق بتجرد تام. وإن حدث ذلك، فلن يرى رأيه النور. وأن راتبي يصلني لكي أبقي رأيي الصريح لنفسي، وخارج الصحيفة التي أكتب بها، وهذا ينطبق عليكم أيضاً. وكل من يصر «بغباء» على كتابة رأيه الصريح سيجد نفسه في الشارع، باحثاً عن عمل آخر! وظيفة الصحافة هي في القضاء على الحقيقة والذم، وفي التودد للمنحرفين والتزلف لفاحشي الثراء، وبيع الوطن من أجل «لقمة عيشهم». وأنتم تعلمون وأنا أعلم أننا أدوات بأيدي الأثرياء الذين يقفون خلف المشهد، والذين يمسكون بحبال لعبة نتقافز عليها جميعاً بفرح. كما أن خبراتنا وإمكاناتنا وحتى حياتنا هي ملك لهم.
هذا ما قاله جون سوينتون قبل 62 عاماً، ولكن منذ ذلك الوقت تغيرت الصناعة الصحافية، ولكنها بقيت «صناعة». وبالرغم من أنها نجحت مئات المرات في إطاحة طغاة والقضاء على أنظمة فاسدة وتغيير حكومات سيئة، فإنها نجحت، أيضاً، في الإبقاء على دكتاتوريين وزعماء قتلة ومنحرفين وخلق هالات حولهم وجعلهم أنصاف آلهة، والأمثلة هنا لا تحصى، وربما كانت المكانة التي بلغها المجرم صدام بفضل الصحافة العربية المثال الأكثر بروزاً. وبالتالي علينا قبول هذه الصناعة بما لها وما عليها.
ويقول الصديق أسامة الجمالي إنه تعلم أن يفعل الشيء الجميل، وينساه أو يرميه في البحر، كما يقول المثل الشهير، والذي قلبه اللبنانيون وأصبح «اعمل خير وما ترمي في البحر»، وذلك بعد تزايد رمي المواطنين للقمامة على شواطئ البحر.
والجمالي هنا يوحي لي بأن عليّ الاستمرار في «رسالتي»، بصرف النظر عن النتيجة التي لا يمكن أصلاً قياس تأثيرها في فترة قصيرة. وأن عليّ أن أسأل نفسي إن كان ما أقوم به نافعاً أو غير ذي معنى، وأن أقرر بعدها التوقف أو الاستمرار. وأن علينا أداء عملنا بإخلاص من دون الالتفات كثيراً إلى النتيجة.
وأخيراً، لا يسعني إلا تقديم الشكر والامتنان لكل من اتصل وكتب، ولا أستثني هنا حتى أولئك الذين اعتقدوا أنني لم أكن جاداً أصلاً في قراري بالتوقف عن الكتابة، فقد كان لانتقاداتهم السلبية دورها الإيجابي عليّ!