في لقاء تم مؤخرا بأحد الدواوين الكويتية الرئيسية ذكر ديبلوماسي خليجي عن خطأ دعم الكويت وبعض الدول الخليجية للجهد العسكري الدولي الذي أدى الى سقوط الطاغية صدام (ومثله لاحقا إسقاط القذافي)، وكانت وجهة نظرنا التي ذكرناها في اللقاء ان ذلك الدعم هو تاج نضعه على رؤوسنا، فانتقاد إسقاط الطغاة وتحرير شعوبهم من قمعهم لم نسمع بمثله عندما قامت القوى الدولية والمؤثرة بغزو ألمانيا وإسقاط هتلر أو غزو بنما وإسقاط الديكتاتور نورييغا.
***
لقد كان بقاء صدام على سدة الحكم او امتداده ممثلا بأحد أبنائه عدي او قصي الأسوأ منه كان سيعني قطعا استكمال أعماله الإجرامية بحق الشعب العراقي وبحق جيرانه، فقد يستخدم أسلحة كيماوية أو بيولوجية يمكن إعادة تصنيعها وإنتاجها بسهولة وسرعة لضرب الكويت، فقد كان لديه العلماء المختصون ويمكن بكل يسر الحصول على المواد الخام اللازمة، أو في المقابل القيام بمغامرة عسكرية أخرى ضد السعودية ومحاولة غزوها، فصدام لا يمكن التنبؤ قط بتحركاته المدمرة، ولا شك ان إسقاط صدام قد أسعد ما يقارب 85% من الشعب العراقي على الأقل، وأسعد جيرانه وأوقف حروبه ومهد للديموقراطية والحرية وبدء عمليات التنمية بالعراق، وما انتشار الطائفية والاغتيالات والتفجيرات اللاحقة لعام 2003 إلا نتاج طبيعي لأعمال قوى ومخابرات صدام التي لم تتوقف قط منذ وصولها للحكم عام 1968م حتى السقوط عام 2003 عن الإضرار بمصالح الشعب العراقي المظلوم وتدمير بلده، والمرجو التوقف عن اعتبار فترة حكم صدام وكأنها الجنة الموعودة لشعب العراق وجيران العراق.
***
وقد وصلت الأنظمة الانقلابية العربية للحكم في العراق وسورية واليمن وليبيا وبدأت منذ يومها الأول بتوريط بلدانها في الحروب الداخلية والخارجية وإدخال شعوبها السجون والمعتقلات ودفنها في المقابر الجماعية، وصاحب الوصول قتل لكل الأفكار الجميلة مثل حب الأوطان والتضحية وحتمية الوحدة العربية والنهضة العلمية والاقتصادية وتم استبدالها بإفشاء الأفكار الظلامية والمفرقة وتفعيل عمليات القتل والظلم وإخراج أخس ما في النفس البشرية من شرور كالغدر والتجسس وإنكار الجميل والإبلاغ عن الأهل والأقارب، وهو ما كان يفخر به صدام، وما كان لتلك الأنظمة الثورية ومن زرعها الا ان يتأكد من ان دمار خروجها لن يقل عن دمار وصولها.
***
فجميع الروايات تظهر بما لا يقبل الشك ان أنظمة صدام والأسد وصالح والقذافي قد تعمدت قبل سقوطها او الثورة عليها تخزين كميات هائلة من الأسلحة والذخائر في مناطق بلدانها المختلفة بعد ان بثوا روح الشقاق والكراهية والفرقة بين مكونات وألوان طيف شعوبها بقصد إشعال فتيل الحروب الأهلية المدمرة لوحدة الدولة، ولا يخفى دور قوات ومخابرات صدام والأسد والقذافي وصالح فيما يجري حاليا من دمار شامل على الساحة العربية، فلا يترحمن أحد على الطغاة والمجرمين والقادة المشبوهين فهم الدمار قبل سقوطهم وهم الدمار بعد ذلك السقوط ولا يستحق الترحم إلا الشعوب التي ابتليت بهم وبظلمهم.
***
آخر محطة: اتفق نائبا الرئيس السوري عبدالحليم خدام وفاروق الشرع في كتابي مذكراتهما وذكرياتهما رغم الخلاف الشديد بينهما على أن صدام بدأ العمل على غزو الكويت بعد أشهر قليلة من انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية، مستشهدين بالرسائل والوثائق واللقاءات التي تظهر محاولاته المتكررة تأمين جبهته مع إيران قبل الشروع في غزو الكويت، وبذا فإن اتهامات صدام الكاذبة ضد الكويت ومطالباته المالية ولقاءه مع السفيرة الاميركية غلاسبي لم تكن لتغير شيئا من مسار الأحداث، فقد كان قرار الغزو الكامل متخذا منذ وقت مبكر، وهو أمر أكدته كذلك كتب مذكرات القيادات العسكرية العراقية التي شاركت في الغزو عام 1990 والتي صدرت بعد عام 2003.