سقطت البطانية التي كانت تخبئ فساد بعض الحكومات، فتعرّت كلياً، بعد أن تهاوت أسعار النفط، وجاء وقت إعلان النتائج، نتائج أداء الحكومات. فالحكومة الصالحة لم تتأثر كثيراً، ولم يتأثر شعبها سلباً، والحكومة الفاسدة ملأت الدنيا صراخاً وهلعاً، وانقضت على جيوب مواطنيها البسطاء لتعويض فارق السعر.
وأطلقت هذه الحكومات منافقيها بطبولهم ومباخرهم يبررون فسادها، ففتحوا الكتب التراثية، بحثاً عما يمكن أن يتعلقوا به في لحظات الغرق، فلم يجدوا ما يعزز الفساد، فاختلقوا أحداثاً من عقولهم الفارغة وجيوبهم المتخمة، ولجأوا إلى حيلة “قيل لأعرابي”، وراحوا ينسجون حولها الحكايات والتبريرات.
فإن احتج الناس على فساد مسؤول ما، فسنجد مثالاً على ذلك عند الأعرابي: “وقد قيل لأعرابي إن المسؤول الفلاني قد فسد وأفسد، فقال والله لا أبالي، فإنني مشغول بمتابعة أخبار كسرى أنو شروان”، و”قيل لأعرابي إن البسطاء سيُطحنون ويُدهسون بالأقدام في ظل انخفاض أسعار النفط الحالية، فقال تالله لا أخشى ذلك، وسأعتمد على الطاقة الكهرومغناطيسية”…
طيب ماذا عن تأخر المشاريع؟… هذه سهلة، “فقد قيل لأعرابي إن المشاريع تأخرت، وتضاعفت قيمتها، ونُفذت بطريقة تخالف شروط المناقصة، فقال والله لا أبالي، سأعيش في جاخوري في منطقة كبد، وأتابع الديربي الإسباني إلى أن يكتب الله الفرج”.
هذا الأعرابي النذل لا أحد يعرف اسمه ولا رسمه، إلا الطبالين والمداحين، وكلما ضاقت على أسيادهم لجأوا إلى هذا الأعرابي النذل، وهو دائماً جاهز، لا يخذلهم. لكنني الآن عرفت سر تفوق شعوب أوروبا على شعوب الأرض، من ناحية محاربة الفساد، والشفافية، وحسن الإدارة، وغيرها، فقد تبين أن “أعرابيهم” صالح، و”أعرابينا” فاسد. فقد قيل لأعرابي فنلندي: إن رئيسة الحزب الحاكم قد استخدمت بطاقة البنك المخصصة للعمل في يوم عطلتها، وصرفت نحو أربعين يورو، قبل أن تعيد المبلغ في أول يوم عمل، فقال والله إنني أبالي وأبالي، ولا يشفع لها إعادة المبلغ، هيا اطلبوا منها الاعتذار ومغادرة الحياة السياسية إلى غير رجعة. وهذا ما تم.
وقيل لأعرابي فرنسي، إن أحد الوزراء في عهد ميتران، استطاع توظيف قريبته في إحدى الجهات، خارج وزارته، رغم أنها لم تستوف الشروط، فقال الأعرابي الفرنسي، وهو يعدل عمامته، ويدهن رقبة فرسه، فليخرج الوزير ومسؤول تلك الجهة في مؤتمر صحافي، وليعتذرا إلى الشعب، ولتُعزل الفتاة من وظيفتها، ويُعزلا هما أيضاً، وليحالوا جميعاً إلى القضاء.
إذاً، علتنا في أعرابيّنا، لا في حكوماتنا، فلنصلح الأعرابي إذا أردنا الصلاح، أو فلنستورد أعرابياً أوروبياً، لعل الله يصلح الحال.