لم يكن حكم المحكمة الدستورية يوم الأحد (20 ــ 12 ــ 2015) بعدم دستورية المرسوم بقانون الخاص بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد حكما مفاجئاً، لأن الحوارات المجتمعية والسياسية التي سبقت صدور الحكم كانت تشير إلى ترجيح الحكم بعدم دستوريته.
لكنه حكم مهم، وينبغي ألا يمر مرور الكرام من دون التعقيب عليه دستوريا في عدة جوانب، وهي:
– لا شك في أن المسألة الجوهرية التي يثيرها الحكم هي مدى سلامة مراقبة المحكمة الدستورية، لتوفر شرط الضرورة في المراسيم بقوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية، أثناء غياب مجلس الأمة بسبب حله، أو كونه في عطلة ما بين أدوار الانعقاد، استنادا للمادة 71 من الدستور، خصوصا أن شرط أو قيد الضرورة من مسائل الملاءمة والتقدير، وليست المشروعية، التي تخرج في الأساس عن رقابة المحكمة الدستورية، ذلك أن التطبيق الصحيح لحكم المادة 71 من الدستور هو أن يختص بتقدير الضرورة السلطة التنفيذية أي «الأمير والحكومة»، حينما تباشر السلطة التشريعية استثنائيا، والرقابة عليها في الأصل تنفرد بها السلطة التشريعية ذاتها (مجلس الأمة)، لتتأكد أن من مارس سلطتها الاستثنائية قد قام فعلا بالتقيد بضوابط تلك السلطة الاستثنائية للتشريع، وأخصها تحقق شرط الضرورة، فإذا قام مجلس الأمة بذلك بصورة حقيقية وكاملة تنتفي سلطة القضاء الدستوري في رقابة توافر شرط الضرورة، أما إن كانت رقابة المجلس على هذا القيد صورية، أو لعدم بحثها جديا من قبله تقصيرا أو تواطؤا أو إذ أغفلها كاملة، وهو ما يتم التحقق منه بمراجعة مضابط اللجان المختصة، ومضابط المجلس، كانت رقابة المحكمة الدستورية في هذه الحالة مقبولة، وفي غير هذه الحالة تصبح رقابتها على قيد الضرورة تجاوزاً لاختصاصها وافتئاتا على اختصاص صاحب الاختصاص الأصيل وهو مجلس الأمة، بل وتجريداً للمادة 71 من مضمونها.
– إن إلغاء المحكمة لمرسوم قانون هيئة مكافحة الفساد يؤكد فعالية تعديل قانون المحكمة الدستورية، بالأخذ بالدعوى الدستورية المباشرة، وفي الوقت نفسه يضع كلا من الحكومة والمجلس على المحك في جديتهما بمكافحة الفساد، وكشف الذمة المالية للقياديين، فهناك من يعتقد انهما تواطآ في عدم تدارك إلغاء القانون، وربما يتراخيان في إقراره من جديد.
– حكم المحكمة بعدم دستورية المرسوم بقانون المذكور بمراقبتها لشرط الضرورة رغم إقرار المرسوم بضرورته من قبل مجالس الأمة، يضع كل المراسيم بقوانين التي صدرت منذ العمل بالدستور، في حالة من القلق على استقرارها، لأنها عرضة للإلغاء إذا ما طعن بها أمام المحكمة، وهو ما يبرر تقييد رقابة المحكمة بمدى زمني هو ستة شهور بعد إقرارها من المجلس.
– وأخيرا فإنه من المهم بهذه المناسبة التأكيد على ضرورة فصل رئاسة المحكمة الدستورية عن رئاسة القضاء، الذي تم لفترة قصيرة، وتم الجمع بين الرئاستين مرة أخرى، وهو توجه خاطئ.