بعيداً جداً عن أجواء السجال العقيم وردود الفعل المتناقضة التي لا تزال تعكس حالة الانقسام الشديد والكراهية في المجتمع الكويتي، استوقفني نبأ وفاة النائب نبيل الفضل في قاعة عبدالله السالم عند مجموعة من العبر انطلاقاً من قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «وكفى بالموت واعظاً».
ومن هذه العبر والدروس ما يتعلق بفلسفة الحياة ونواميس الطبيعة التي تختزل بكأس يتجرعها الجميع، فيحتم عليهم الموت والفناء، ومنها ما يتعلق بالعمل السياسي العام وما يحيطه من هالات الزهو و«البرستيج» والجاه والمنصب، وتلك الصلاحيات الكبيرة، والسعي إليها من خلال مسيرة شاقة، قد تكون حافلة بالمطبات والاختبارات، وإذا بالموت يخطف ذلك كله فجأة ودون سابق إنذار.
في قاعة عبدالله السالم تحديداً تتمثل السلطتان التنفيذية والتشريعية بأعضائهما المنتخبين والمعينين، فيكتسبون جملة من المزايا والصلاحيات والحصانات، لتكون مفتاحاً لإصدار التشريعات والقوانين، وممارسة الرقابة بكل أنواعها، وتحديد أوجه الصرف على شؤون البلد من الأموال العامة، واتخاذ المواقف السياسية تجاه مختلف القضايا.
وبمجرد الدخول إلى هذه القاعة يتمتع الإنسان بالحصانة البرلمانية التي تعني حريته الكاملة في الكلام والأفعال والمواقف دون وجود أي سلطة عليه ولا حسيب أو رقيب، وحتى الرقابة الشعبية وصناديق الاقتراع وترقب الانتخابات القادمة قد لا تشكل أي وازع حقيقي لتوجيه قرارات النائب ومواقفه، ففي بعض الأحيان تكون صناديق الانتخابات ومجاملة الناس سبباً في الوقوع في المحظور وتحول الحق إلى الباطل، ناهيك عن حجم المغريات والمصالح التي قد تدفع البعض إلى السقوط في هاوية الأخطاء والشبهات والمحرمات لا سمح الله.
شريط الذكريات وتجارب العمل السياسي السابقة والحاضرة وبالتأكيد المستقبلية كلها تسجل العديد من المحطات والمواقف، منها ما يتعلق بالشبهات المالية والذمم كالاختلاسات وتضارب المصالح وانتفاخ الأرصدة والهدر والسكوت عليها أو تبريرها، ومنها ما يتعلق بقرارات أو تشريعات قد تلحق الضرر والأذى بالناس دونما مبررات منطقية، وقد تظلم فئات أو أفراداً بشكل مقصود ومتعمد، والأهم من ذلك قد يفلت من يمارسها أو يدافع عنها من الحساب والعقاب تحت غطاء الحصانة، لكن الموت يزيل هذه الحصانة والمكانة لتبدأ مرحلة الحساب الفعلي والنهائي.
كنت بالفعل أتمنى أن تكون العبرة من وفاة نائب أثناء جلسة عامة، وقد تحدث واقفاً قبل منيته بدقائق قليلة، هي الدرس الوحيد للجميع، وخصوصاً أرباب العمل السياسي، وليس ذلك الانفعال غير المبرر أو استغلال الموت فرصة للشماتة والتراشق وتصفية الحسابات، فمرد الجميع عاجلاً أو آجلاً إلى رب واحد، عادل وقيوم، وميزان عدالته هو من يفرز الحق والباطل لا اجتهاداتنا وآراءنا وإن اختلفت وتباينت لأبعد الحدود، ولكن صدق من قال: «ما أكثر العبر وأقل الاعتبار»!