– أصعب لحظات كتابة المقالة، هي اللحظة التي تختلط فيها فكرتان في رأسك، فيسيل ماء هذه على زيت تلك، ويختلط سكر هذه بملح تلك، فتخرج لك، في النهاية، مقالة لا هي ذكر ولا أنثى، ولا يُعرف وجهها من قفاها، ولا قالبها من فحواها.
– وأسوأ المقالات، برأيي، هي المقالات المنبرية، أو “مقالات قل ولا تقل”، التي يتخيل الكاتب فيها نفسه على منبر الأستاذ، والجمهور مجموعةً من التلاميذ ذوي العظام الناعمة الطرية، الذين لا يقوون على النهوض بمفردهم، ويحتاجون إلى مساندة أثناء السير على أقدامهم. ولولاك، أيها الفذ الكاتب، ولولا مقالاتك، كان يمكن أن يحرقوا أصابعهم، لفرط جهلهم وطفولتهم ونعومة أظفارهم.
– وأخف المقالات على القلب، وأكثرها بقاءً في الذاكرة، هي المقالات الثرية المضمون، العارية من الفذلكة والأستاذية. تلك المقالة التي تشعر بأن كاتبها كان يتحدث وهو يكتبها، فينقل قلمه ما ينطق به لسانه مباشرة، من دون تأخير، فتقرأها وكأنك تسمع صوت كاتبها.
– وأثقل المقالات على القلب، هي مقالات “إبراء الذمة” و”ذر الرماد”، التي يحتاج إليها كاتبها في نقاشاته، ليثبت أنه شهم نبيل، بدليل كتابته تلك المقالة بذلك العنوان. هي أداة جريمة لا مقالة. أو هي القفاز الذي يُخفي البصمات، ويمسح مكان الجريمة. لذلك يشعر الناس بقرفٍ واضح، أثناء قراءتها، من دون أن يعرفوا السبب.
– وأزهى المقالات وأكثرها أصالة، هي تلك المقالة التي كانت فكرتها تدور في الذهن، وتتخمر، وتتزين، منذ فترة، قبل أن تظهر للعلن في كامل حسنها وبهائها، فتتمخطر بثقة، وتوزع الابتسامات على الجميع، بثغرٍ شهي، وشموخٍ بهي.
– على أن أمتع المقالات، هي المقالة الروائية، التي تحكي حادثة جرت لكاتبها، فنقلها بصدق، بثومها وبصلها وقثائها. نقلها كما هي، من دون ماكياج ولا عمليات تجميل، فخف حملها، فانطلقت كسهمٍ إلى القلوب، قبل العقول.