كثيرا ما نسمع أن «داعش» ليس مؤامرة ضد الإسلام، وليس صناعة غربية بل عربية! فالداعشيون في نهاية الأمر ـ عرب ومسلمون متشددون يتم تصديرهم إلى الخارج!
الحقيقة هم في الغالب عرب ومسلمون عانت منهم مجتمعاتهم ومازالت، ولكن يجب التأكيد على أن دولهم حاربتهم واستطاعت الحدّ من قوتهم وانتشارهم في المجتمع، وحققت نجاحا كبيرا في مواجهتهم، وخير مثال على ذلك الحرب السعودية الناجحة ضد الإرهاب القاعدي والداعشي.
ما سبق نصف الحقيقة ولكن ليس كل الحقيقة ـ والسؤال المهم والمهم جدا هو ـ من أتى بالإرهابيين إلى العراق ومن بعدها إلى سورية بعد أن ضيق عليهم في دولهم وهزموا فيها!
من الذي مهد لهم ارضا خصبة لينشئوا فيها دولتهم المزعومة، ومن جمعهم تحديدا في المناطق السنية؟ بالتأكيد الجواب هو «الولايات المتحدة الأميركية» التي أتبعت الحسنة السيئة.
فعندما أسقطت أميركا نظام صدام المجرم ولم تستطع أو لم ترغب أو فشلت بإيجاد نظام عراقي ديموقراطي يستوعب الجميع بعيدا عن الطائفية، والأخطر من ذلك هو قرار سحب الولايات المتحدة لقواتها من العراق وتركته بلا جيش وطني حقيقي ـ تتنازعه الطائفية والإرهاب وإيران ـ حتما مثل هذا التسلسل للأحداث أو السياسات الأميركية الكارثية ستكون نتيجته النهائية هي الدولة الإسلامية وخليفتها البغدادي!
الولايات المتحدة لطالما كانت تجيد إسقاط الدولة ولكنها لا تجيد بناءها من جديد، أميركا أسقطت نظام طالبان الأفغاني ولكنها لم تنجح في إعادة بنائه، وكذلك فعلت بالعراق بعد صدام.
لطالما اقتلعت الولايات المتحدة الأميركية من حديقتها الخلفية القارة اللاتينية كما يسميها «الإستراتيجيون» بعض الأنظمة والدكتاتوريات الضارة بمصالحها ولكن في نهاية المطاف تعود العصابات والأنظمة العسكرية الفاسدة للحكم.
هناك من أراد «شيطنة» المسلمين وتشويه الإسلام، كلنا شهدنا الزيادة المطردة لأعداد المسلمين في العالم وخصوصا في أوروبا وأميركا، في هذه الدول أصبح الدين الإسلامي هو الدين الأكثر انتشار بين السكان ـ ولا عجب في ذلك ـ ففي الأجواء الليبرالية الغربية الحقيقية السائدة آنذاك، حيث يسمح للجميع بممارسة دينه وفكره والدعوة إليه، حتما سينتشر الإسلام بسماحته بين الغربيين.
يبدو أننا في صدد معادلة سياسية قوامها إنه «كلما كانت الدولة أكثر ليبرالية كلما انتشر الإسلام أكثر»، والدليل على هذه المعادلة هو أن فرنسا هي الدولة الأكثر ليبرالية في العالم وفيها أعلى نسبة للمسلمين على مستوى الدول الغربية.
كانت النظرية الاستراتيجية الغربية في ظل الحرب الباردة تضع الاشتراكية والشيوعية على رأس هرم التهديدات الأمنية، فكانت تحاربهم وتحد من نفوذهم في العالم، مثال الحرب في فيتنام في الستينيات وحرب أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت الولايات المتحدة والغرب يفضلون الأنظمة الثيوقراطية ويدعمونها ضد الشيوعيون والاشتراكيين ـ فقد دعموا الخميني وفضلوه على حزب «توده» الشيوعي الإيراني الذي أشعل الثورة ضد حكم الشاة وكاد أن ينتصر، وفضلوا المجاهدين الأفغان ودعموهم ضد الحكومة الاشتراكية الموالية للسوفييت آنذاك.
وبعد زوال التهديد السوفييتي والأفكار الاشتراكية وانتصار الرأسمالية الليبرالية، لم يتم البحث عن مصدر تهديد كما يروج البعض، او بالأصح كما يقول المفكر الأميركي المعاصر صموئيل هانتغتون صاحب نظرية «تصادم الحضارات» بأن الصراع القادم صراع حضارات وليس أفكارا!
بالفعل العالم تحول إلى الرأسمالية وانتشرت الليبرالية كالنار في الهشيم بمسميات مختلفة «كالتقدم والتحضر»، فأصبح هناك عالم إسلامي رأسمالي وليبرالي إن صح التعبير وآخر مسيحي وهندوسي وكنفوشي وهكذا!
ويبدو أن الإسلام وفكره المستنير والمستقيم انتصر في صراع «هانتغتون» الحضاري، ولا بد من وقف التمدد الإسلامي الثقافي، فتم استغلال أشرار المسلمين وسهل لهم التنقل والتجمع في المناطق الغربية العراقية ولأسباب متعددة لا يسعني ذكرها هنا، وتم تسليط الضوء عليهم كما أن منظمة داعش نفسها تعتبر من انشط المنظمات الإرهابية في العالم إعلاميا، فلم يدخر الداعشيون جهدا في تشويه صورة المسلمين عن قصد أو جهل.
خلاصة: دولة داعش نشأت على حطام الدولة العراقية التي كانت نتيجة للحرب الأميركية ضد العراق التي لم تنجز أهدافها المعلنة وهي تحقيق الديموقراطية ومنع تحالف الإرهاب مع صدام وأسلحته الكيماوية، تلك هي النتيجة المباشرة أما الأثر الاستراتيجي الكبير والخطير فهو محاولة الحد من تسامح الليبرالية تجاه الإسلام وحضارته المنتشرة، وربما نجحوا في ذلك، فما نسمعه من الأصوات المتشددة والمتخوفة من المسلمين والعرب وصعود اليمين المتشدد الأوروبي والأميركي ما هو إلا انعكاس لذلك.