والعالم العربي من محيطه إلى خليجه يرزح تحت الأزمات والويلات، ثمة من يقتل نفسه قتلًا في وسائل الإعلام والفضائيات والمقالات والكتب وغيرها باعتباره (واحدًا ممَّن أسهموا في إنقاذ الأوطان ممَّا ألمَّ بها!)، حتى أنك لتشاهد أولئك وهم يتغنون بجهودهم الجبارة في تحقيق إنجازات عجز عنها غيرهم… ولربما كانوا هم أصلًا جزءًا من الأزمة بأساليبهم الاستغلالية (المصلحجيَّة) الدنيئة.
وقد تجد مُتَّسعًا من الوقت للاستمتاع بأسلوبهم التهريجي، وأنت تشاهدهم على التلفاز لتتذكر الفنان الكبير المرحوم علي المفيدي في المسلسل الكويتي الشهير «العتاوية» وهو يمثل دور المحامي (أحمد يك يكي)، مع فارق أن (يك يكي) حاول دخول عالم السياسة من بوابة الانتخابات (بشرف)، فيما أولئك أقحموا، ولايزالون يقحمون أنفسهم عنوة، من بوابة الشيكات والأعطيات والهدايا الفاخرة.
لا يريد جماعة (يك يكي) أن يظهروا للرأي العام على أنَّهم (حماة الأوطان) فحسب، بل يصرون على أن لهم الفضل الأول في تنوير الناس وتوعيتهم بالمخاطر التي تحيط ببلدانهم، وكشف ما كان خفيّاً عنهم، وهنا الطامَّة الكبرى! فقد بالغت وجوه عديدة من تلك الفئة – من مختلف الدول العربية والإسلامية – في تجهيل وتضليل المتلقي العربي الذي يشاهدهم عبر الفضائيات والحوارات والصحف، ومع شديد الأسف، وفي الوقت الذي كان ولايزال فيه المواطن في البلدان العربية والإسلامية بحاجة ماسة إلى من يرفع وعيه ويكشف له الحقائق من جانب المفكرين والمثقفين والإعلاميين والناشطين، اضطر مئات الآلاف من الناس، إن لم يكن الملايين، إلى تصديق جماعة (يك يكي) وهم يقلبون الحقائق ويستغلون جهل الناس، فيزرعون الاضطراب والخوف والقلق والحيرة، ولهذا لم يعد مستغربًا أنَّ جزءًا كبيرًا من المتلقين ما عادوا يفرقون – على سبيل المثال – بين المجاهدين الذين يدافعون عن الأوطان وخصوصًا ضدَّ الكيان الصهيوني الغاصب، وبين (المجاهدين) الذين يعملون لحساب (الكيان الصهيوني الغاصب)، وقس على ذلك جملة من القضايا التي لم تقتصر على السياسة فقط، بل تنسحب على القضايا الدينية والوطنية وحتى الإنسانية.
وهناك طامة كبرى أخطر… فتصفيق المضحوك عليهم وتأييدهم لما يطرحه جماعة (يك يكي) ليس من قبيل الصدفة أو التلقائية، فأولئك أقاموا شبكات إلكترونية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني تؤيدهم تلقائيًّا وبلا وعي أو تدقيق فيما يقولون، ولربما صفَّقوا لهم وروَّجوا بكثافة في فضاء الإعلام لقول (يك يكي) وهو يكشف أن (الملائكة تحارب معه)، وأن البشارات جاءته في منامه من الأنبياء والرسل، حتى أن آثار يد أحد الأنبياء لاتزال ظاهرة على كتفه.
لدى جماعة (يك يكي)، كلزوم الكاريزما والظهور اللائق، حرص كبير على تحمير العيون وتقطيب الجبين وهم يتحدثون أمام الكاميرات، ومن أوضح واضحاتهم أنهم يستخدمون أسلوب التخوين والهجوم على كل من يخالفهم في الدين أو المذهب أو الرأي، وبالتالي، فإن البطل (يك يكي) يقدم خدمة (جليلة جدًّا) للأوطان والشعوب؛ ذلك لأنَّ الاستقرار وصيانة النسيج الوطني واللحمة الوطنية من وجهة نظره، لا تقوم إلا بخلق العداوات والتناحر المذهبي والسياسي، والإصرار على التلبس بلباس أولياء الله الصالحين وحفظة القرآن الكريم والسنة النبوية، على رغم أن غالبهم لا يستطيع قراءة آية كريمة واحدة صحيحة، وعلى الجمهور المؤيد أن يدعمهم في كل ما يقولون، ويساندهم في مشاريع الخير وجمع التبرعات التي لا يعلم إلا الله إلى أين ستذهب.
ولا أدري إلى أي مدى ستبقى بعض الدول والحكومات تستنجد في إعلامها بفئة البطولات (اليكيكية) في وقت تشتدُّ فيه الحاجة إلى المفكرين والسياسيين والناشطين والمثقفين العرب والمسلمين القادرين على صياغة رؤى تسهم في تحصين الأوطان، بكل مكوناتها ونسيجها وثقافاتها وأديانها وطوائفها، وتلك النخبة مهمشة ومغيبة مع بالغ الأسف… وقد يكون (عتيج) الذي مثل دوره الفنان الكبير (عبدالحسين عبدالرضا في مسلسل العتاوية ذاته)، هو الشخصية التي تحتاج إليها الأمة لمناصرتها للحقّ ولصدقها ولحبّ الناس لها.